فاعلاً ما لا يفعله من له نوع من العقل، ففي هذا حث على النظر الذي كانوا يأبونه بقوله :﴿قلوبنا في أكنة﴾ [فصلت : ٥] ونحوه في الأدلة التي يتميز بها الحق من الباطل على أحسن وجه بأنصف دعاء وألطف نداء حيث شرك الداعي نفسه معهم فيما دعاهم إلى النظر فيه، فالمعنى أنه يتعين على كل منا - إذا كان على إحدى الطريقين مبهمة - أن ينظر في أمر ليسلم فإن الأمر في غاية الوضوح مع أن الضال في نهاية الخطر، ولقد كان الفضلاء من الصحابة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وناهيك بهما جلالاً، ونباهة وذكاء وكمالاً، قالوا : والله كنا نعجب غاية العجب
١٧٨
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٧
ممن يدخل في الإسلام واليوم نحن نعجب غاية العجب ممن يتوقف عنه.
ولما كانوا بين أمرين : إما أن يسكتوا فيعلم كل سامع أن الحجة لزمتهم، وإما أن يقولوا بوقاحة ومكابرة : أنتم في الضلال ونحن على الهدى، وكان الضال لا يزال يقطع ما ينبغي وصله بوصل ما يجب قطعه، أمره أن يجيبهم على هذا التقدير بما هو أبلغ في الإنصاف من الأول بقوله :﴿قل لا تسلؤن﴾ أي من سائل ما ﴿عما أجرمنا﴾ أي قطعنا فيه ما ينبغي أن يوصل مما أوجبه لنا الضلال ﴿ولا نسئل﴾ أي أصلاً في وقت من الأوقات من سائل ما ﴿عما تعلمون*﴾ أي مما بنيتموه على العلم الذي أورثكموه الهدى أي فاتركونا والناس غيركم كما أنا نحن تاركوكم، فمن وضح له شيء من الطريقين سالكه.
ولما كانوا إما أن يجيبوا إلى المتاركة فيحصلوا لها المصقود عن قريب، وإما أن يقولوا : لا نترككم، وكان هذا الاحتمال أرجح، أمره أن يجيبهم على تقديره بقوله :﴿قل يجمع بيننا ربنا﴾ أي في قضائه المرتب على قدره في الدنيا أو في الأخرة، قال القشيري : والشيوخ ينتظرون في الاجتماع زوائد ويستروحون إلى هذا الآية، وللاجتماع أمر كبير في الشريعة.