ولما دل سبحانه بملازمتهم للاستهزاء بهذا الإنذار على أنهم غير منفكين عن مذاهب الكفار، ذكر تصريحهم بذلك وحالهم في بعض الأوقات المنطبقة عليها الآية السالفة في قوله :﴿وقال الذين كفروا﴾ حيث عبر بالموصول وصلته في موضع الضمير، قطعاً للأطماع عن دعائهم :﴿لن نؤمن﴾ أي نصدق أبداً، وصرحوا بالمنزل عليه ﷺ بالإشارة فقالوا :﴿بهذا القرآن﴾ أي وإن جمع جميع الحكم والمقاصد المضمنة لبقية الكتب ﴿ولا بالذي بين يديه﴾ أي قبله من الكتب : التوارة والإنجيل وغيرهما.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨١
بل نحن قانعون بما أدبنا به آباؤنا، وذلك أن بعض أهل الكتاب أخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم، فأغضبهم ذلك فقالوه :﴿ولو﴾ أي والحال أنك ﴿ترى﴾ أي يوجد منك رؤية لحالهم ﴿إذ﴾ هم - هكذا كان الأصل، ولكن أظهر الوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال :﴿الظالمون﴾ أي الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر بغير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه، وقد أقام لهم أدلة العقل بما ضرب لهم من الأمثال في الآفاق وفي أنفسهم، والنقل بهذا القرآن المدلول على صدقه بعد إظهار المعجزات المحسوسات بعجزهم عنه، فكأنهم سمعوه من الله المنعم الحق ﴿موقوفون﴾ أي بعد البعث بما يوقفهم من قدرته بأيدي جنوده أو بغيرها بأيسر أمر منه سبحانه قهراً لهم وكرهاً منهم :﴿عند ربهم﴾
١٨٢
أي الذي أحسن إليهم فطال إحسانه فكفروا كلما أحسن به إليهم ﴿يرجع بعضهم﴾ أي على وجه الخصام عداوة.