ولما كان المعنى : إنا لم نفعل ذلك، حسن أن يقال : إنهم هم الذين ضلوا بأنفسهم لا بإضلالهم، فقالوا :﴿بل كنتم﴾ أي جبلة وخلقاً ﴿مجرمين*﴾ أي عريقين في قطع ما ينبغي وصله بعد إيتان الهدى مختارين لذلك كما كنتم قبله أتباعاً لنا ما ردتم ولا ردنا، ولما تضمن قولهم أمرين : ادعاء عراقتهم في الإجرام، وإنكار كونهم سبباً فيه، أشار إلى ردهم للثاني بالعاطف على غير معطوف عليه إعلاماً بأن التقدير : قال الذين استضعفوا : كذبتم فيما ادعيتم من عراقتنا في الإجرام :﴿وقال الذين استضعفوا﴾ عطفاً على هذا المقدر ﴿للذين استكبروا﴾ ردّاً لإنكارهم صدهم :﴿بل﴾ الصاد لنا ﴿مكرُ الليل والنهار﴾ أي الواقع فيهما من مكركم بنا، أو استعير إسناد المكر إليهما لطول السلامة فيهما، وذلك للاتساع في الظرف في إجرائه مجرى المفعول به ﴿إذ تأمروننا﴾ على الاستمرار ﴿أن نكفر بالله﴾ أي الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إيتان الرسل ﴿ونجعل له أنداداً﴾ أي أمثالاً نعبدهم من دونه ﴿وأسروا﴾ أي يرجعون والحال
١٨٣
أن الفريقين أسروا ﴿والندامة لما﴾ أي حين ﴿رأوا العذاب﴾ لأنهم بينما هم في تلك المقاولة وهم يظنون أنها تغني عنهم شيئاً وإذا بهم قد بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون فأبهتهم فلم يقدروا لفوات المقاصد وخسران النفوس أن نسبوا بكلمة، ولأجل أن العذاب عم الشريف منهم والوضيع.
قال تعالى :﴿وجعلنا الأغلال﴾ أي الجوامع التي تغل اليد إلى العنق ﴿في أعناق الذين كفروا﴾ فأظهر موضع الإضمار تصريحاً بالمقصود وتنبيهاً على الوصف الذي أوجب لهم ذلك.


الصفحة التالية
Icon