ولما كانت لشبهتهم هذه شعبتان تتعلق إحداهما بالذات والأخرى بالثمرات، بدأ بالأولى لأنها أهم، فقال مؤكداً تكذيباً لمن يظن أن سعيه يفيد في الرزق شيئاً لولا السعي ما كان :﴿قل﴾ يا أكرم الخلق على الله! مؤكداً لأجل إنكارهم لأن يوسع في الدنيا على من لا يرضى فعله :﴿إن ربي﴾ أي المحسن إليّ بالإنعام بالسعادة الباقية ﴿يبسط الرزق﴾ أي يجدده في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها ﴿لمن يشاء ويقدر﴾ أي يضيق على من يشاء منكم أن يكون جميع الموسع عليهم على ما هو حق عنده ومرضى له، لاختلافهم في الأصول وتكفير بعضهم لبعض، فإن الله معذب بعضهم لا محالة، فبطلت شبهتهم، وثبت أنه يفعل ما يشاء ابتلاء وامتحاناً، فلا يدل البسط على الرضى ولا القبض على السخط - على ما عرف من سنته في هذه الدار ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي الذين لم يرتفعوا عن حد النوس والاضطراب ﴿لا يعلمون*﴾ أي ليس لهم علم ليتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلموا أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيداً في عقباه.
ولما هدم بالذات، أتبعه ما بالثمرات، فقال مؤكداً تكذيباً لدعواهم :﴿وما أموالكم﴾ أي أيها الخلق الذين أنتم من جملتهم وإن كثرت، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على حياله فقال :﴿ولا أولادكم﴾ كذلك، وأثبت الجار تاكيداً للنفي فقال واصفاً الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث :﴿بالتي﴾ أي بالأموال والأولاد التي ﴿تقربكم عندنا﴾ أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي ﴿زلفى﴾
١٨٥
أي درجة عليه وقربة مكينة قال البغوي : قال الأحفش : هي اسم مصدر كأنه قال : تقريباً، ثم استثنى من ضمير الجمع الذي هو قائم مقام أحد، فكأنه قيل : لا تقرب أحداً ﴿إلا من﴾ أو يكون تصديقاً لإيمانه على ذلك الأساس ﴿صالحاً﴾ أي في ماله بإنفاقه في سبيل الله وفي ولده بتعليمه الخير.