ولما أخبر أنهم أبوا الإيمان بالقرآن، المخبر بالغيب من أمر الرحمن الذي هدت إليه العقول، وشاهدت آثاره العيون، في هذا الكلام المعجز، فتظافرت على ما أخبرت به أدلة السمع والبصر والعقل، وختم بأنهم آمنوا بالجن غبياً وعبدوهم من دون الله بما
١٨٩
لم يدع إليه عقل ولا نفل، وصدقوهم من الإخبار بما إن صدقوا في شيء منه خلطوا معه أكثر من مائة كذبة، وسلب أعظم من ادعوا أنهم استندوا إليه النفع والضر، وأسند تعذيبهم إلى تكذيبهم، أتبعه الإخبار بأنهم لازموا الإصرار على ذلك الكفر والتكذيب بما كله صدق وحكم فقال :﴿وإذا تتلى﴾ أي في وقت من الأوقات من أيّ تال كان ﴿عليهم﴾ أي خاصة لم يشركهم غيرهم ليقولوا : إنه المقصود بالتلاوة، فلا يلزمهم الاستماع ﴿آياتنا﴾ حال كونها ﴿بينات﴾ ما قالت شيئً إلا ظهرت حقيته ﴿قالوا﴾ أي على الفور من غير تأمل لما حملهم على ذلك من حظ النفس.
ولما كان المستكبرون يرون ما للرسالة من الظهور، وللرسول من القبول، وأن أتباعهم قد ظهر لهم ذلك، فمالوا إليه بكلياتهم، أكده قولهم :﴿ما هذا﴾ أي التالي لها على ما فيه من السمت المعلم بأنه أصدق الخلق وأعلاهم همة وأبينهم نصيحة ﴿إلا رجل﴾ أي مع كونه واحداً هو مثل واحد من رجالكم، وتزيدون عليه أنتم بالكثرة، ولم يسندوا الفعل إليهم نفياً للغرض عن أنفسهم وإلهاباً للمخاطبين فقالوا :﴿يريد أن يصدكم﴾ أي بهذا الذي يتلوه ﴿عما كان﴾ دائماً ﴿يبعد آباؤكم﴾ أي لا قصد له إلا ذلك لتكونوا له أتباعاً، وألهبوا السامعين بتصوير آبائهم بذكر " كان " والفعل المضارع ملازمين للعبادة ليثبتوا على كفرهم بما لا دليل عليه ولا شبهة ولا داع سوى التقليد.
ولما كانت أدلة الكتاب واضحة، خافوا عاقبتها في قبول الاتباع لها، فجزموا بأنها كذب ليوقفوهم بذلك، فحكى ذلك عنهم سبحانه بقوله :﴿وقالوا ما هذا﴾ أي القرآن ﴿إلا إفك﴾ أي كذب مصروف عن وجهه ﴿مفترى﴾ أي معتمد ما فيه من الصرف.


الصفحة التالية
Icon