ولما أثبت سبحانه في التي قبلها الحشر الذي هو الإيجاد الثاني، ودل عليه بجزئيات من القدرة على أشياء في الكون، إلى أن ختم بأخذ الكفار أخذاً اضطرهم إلى الإيمان بظهور الحمد لهم أتم الظهور، وبالحيلولة بينهم وبين جميع ما يشتهون كما كانوا متعوا في الدنيا بأغلب ما يشتهون من كثرة الأموال والأولاد، وما مع ذلك من الراحة من أكثر الأنكاد، وكان الحمد يكون بالمنع والإعدام، كما يكون بالإعطاء والإنعام، قال تعالى ما هو نتيجة ذلك :﴿الحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال إعداماً وإيجاداً ﴿لله﴾ أي وحده.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٩
ولما كان الإيجاد من العدم أدل على ذلك، قال دالاً على استحقاقه للمحامد :﴿فاطر﴾ أي مبتدئ ومبتدع ﴿السموات والأرض﴾ أي المتقدم أن له ما فيهما بأن شق العدم بإخراجها منه ابتداء على غير مثال سبق كما تشاهدون ولما كانت الملائكة إفرداً وجمعاً مثل الخافقين في أن كلاًّ منهم مبدع من العدم على غير مثال سبق من غير مادة، وكان قد تقدم أنهم يتبرؤون من عبادة الكفرة يوم القيامة، وكان لا طريق لعامة الناس إلى معرفتهم إلا الخبر، أخبر عنهم بعد ما أخبر عما طريقه المشاهدة بما هو الحق من شأنهم، فقال مبيناً بتفاوتهم في الهيئات تمام قدرته وأنها بالاختيار :﴿جاعل الملائكة رسلاً﴾ أي لما شاء من مراده وإلى ما شاء من عباده ظاهرين للأنبياء منهم ومن لحق بهم وغير ظاهرين ﴿أولي أجنحة﴾ أي تهيؤهم لما يراد منهم ؛ ثم وصف فيه إلى أكثر من ذلك، ولعل ذكره للتنبيه على أن ذلك أقل ما يكون بمنزلة اليدين.
ولما كان ذلك زوجاً نبه على أنه لا يتقيد بالزوج فقال :﴿وثلاث﴾ أي ثلاثة لآخرين منهم.
ولما كان لو اقتصر على ذلك لظن الحصر فيه، نبه ذكر الزوج على أن الزيادة لا تنحصر فقال :﴿ورباع﴾ أي أربعة لكل واحد من صنف آخر منهم.


الصفحة التالية
Icon