وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أوضحت سورة سبأ أنه سبحانه مالك السماوات والأرض، ومشتحق الحمد في الدنيا والآخرة، أوضحت هذه السورة أن ذلك خلقه كما هو ملكه، وأنه الأهل للحمد والمستحق، إذ الكل خلقه وملكه، ولأن السورة الأولى تجردت لتعريف العباد بأن الكل ملكه وخلقه دارت آيها على تعريف عظيم ملكه، فقد أعطي داود وسليمان عليهما السلام ما هو كالنقطة من البحار الزاخرة، فلان الحديد وانقادت الرياح والوحوش والطير والجن والإنس مذللة خاضعة ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير﴾ [سبأ : ٢٢] تعالى ربنا عن الظهير والشريك والند، وتقدس ملكه سبحانه، وتجردت هذه الأخرى للتعريف بالاختراع والخلق، ويشهد لهذا استمرار آي سورة فاطر على هذا الغرض من التعريف وتنبيهها على الابتداءات كقوله تعالى ﴿جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى﴾ الآية، وقوله ﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها هل من خالق غير الله يرزقكم﴾ وقوله :﴿أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً﴾ الاية، وقوله :﴿الله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً﴾ الاية ﴿والله خلقكم من تراب يولج اليّل في النهار ويولج النهار في اليّل﴾ ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها﴾ ﴿هو الذي جعلكم خلائف في الأرض﴾ ﴿إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا﴾ فهذه عدة آيات معرفة بابتداء الخلق، والاختراع أو مشيرة ولم يقع من ذلك في سورة سبأ آية واحدة، ثم إن سورة سبأ جرت آيها على نهج تعريف الملك والتصرف فيه والاستبداد بذلك والإبداد، وتأمل افتتحاحها وقصة داود وسليمان عليهما السلام، وقوله سبحانه ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثال ذرة﴾ الآيات يتضح لك ما ذكرناه وما انجزّ في السورتين مما ظاهره الخروج من هاذين الغرضين فملتحم ومستدعى بحكم الانجرار بحسب استدعاء