لاكتساب العزة، وكان الكفرة إنما عبدوا الأوثان ليعتزوا بها منا قال :﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّاً﴾ [مريم : ٨١] قال مستنتجاً من ذلك :﴿من كان﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿يريد العزة﴾ أي أن يكون محتاجاً إليه غيره وهو غني غالباً غير مغلوب ﴿فلله﴾ أي وحده ﴿العزة جميعاً﴾ أي فليطلبها منه ولا يطلبها من غيره، وقد روي عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :"إن ربكم يقول كل يوم : أنا العزيز فمن أرادة عزة الدارين فليطع العزيز" ولما رغب في اقتناص العزة بعد أن خبر أنه لا شيء فيها لغيره، دل على اختصاصه بها شمول علمه وقدرته، وبين أنها إنما تنال بالحكمة فقال :﴿إليه﴾ أي لا إلى غيره ﴿يصعد الكلم الطيب﴾ أي الجاري على قوانين الشرع عن نية حسنة وعقيدة صحيحة سواء كان سراً علناً لأنه عين الحكمة، فيعز صاحبه ويثيبه.
ولما أعلى رتبة القول الحكيم، بين أن الفعل أعلى منه لأنه المقصود بالذات، والقول وسيلة إليه، فقال دالاً على علوه بتغيير السياق :﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ هو سبحانه يتولى رفعه ولصاحبه عنده عز منيع ونعيم مقيم، وعمله يفوز، قال الرازي في اللوامع : العلم إنما يتم العمل كما قيل : العلم يهتف بالعمل، فإن أجاب وإلا ارتحل - انتهى، وقد قيل :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٧
لا ترض من رجل حلاوة قوله حتى يصدق ما يقول فعال فإذا وزنت مقاله بفعاله فتوازنا فإخاء ذاك جمال
ولما بين ما يحصل العزة من الحكمة، بين ما يكسب الذلة ويوجب النقمة من رديء الهمة فقال :﴿والذين يمكرون﴾ أي يعملون على وجه الستر المكرات ﴿السيئات﴾ أي يسترون قصودهم بها ليوقهوها بغتة ﴿لهم عذاب شديد﴾ كما أرادوا بغيرهم ذلك، ولا يصعد مكرهم إليه بنفسه ولا يرفعه هو، لأنه ليس فيه أهلية ذلك لمنافاته الحكمة.