ولما كان ذلك أمراً لا يحيط به العد، ولا يحصره الحد، فكان في عداد ما ينكره الجهلة، قال مؤكداً لسهولته :﴿إن ذلك﴾ أي الأمر العظيم من كتب الآجال كلها وتقديرها والإحاطة بها على التفصيل ﴿على الله﴾ أي الذي له جميع العزة فهو يغلب كل ما يريده، خاصة ﴿يسير*﴾ ولما ذكر سبحانه أحد أصليهم : التراب المختلف الأصناف، ذكر الأصل الآخر : الماء الذي هو أشد امتزاجاً من التراب، ذاكراً اختلاف صنفية اللذين يتفرعان إلى أصناف كثيرة، منبهاً على فعله بالاختيار ومنكراً على من سوى بينه سبحانه وبين شيء حتى أشركه به مع المباعدة التي لا شيء بعدها والحال أنه يفرق بين هذه الأشياء المحسوسة لمباعدة ما فقال :﴿وما يستوي البحران﴾ ولما كانت الألف واللام للعهد، بيّنه بقوله مشيراً إلى الحلو :﴿هذا عذاب﴾ أي طيب حلو لذيذ ملائم للطبع ﴿فرات﴾ أي بالغ العذوبة ﴿سائغ شرابه﴾ أي هنيء مريء بحيث إذا شرب جاز في الحلق ولم يتوقف بل يسهل إدخاله فيه وابتلاعه لما له من اللذة والملاءمة للطبع ﴿وهذا ملح أجاج﴾ أي جمع إلى الملوحة المرارة، فلا يسوغ شرابه، بل لو شرب لآلم الحلق وأجج في البطن ما هو كالنار، والمراد أمه ميزهما سبحانه بعد جمعهما في ظاهر الأرض وباطنها، ولم يدع أحدهما يبغي على الآخر، بل إذا حفر عل جانب البحر الملح ظهر الماء عذباً فراتاً على مقدار صلاح الأرض وفسادها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٧
ولما كان الملح متعذراً على الآدمي شربه، ذكر أنه خلق فيه ما حياته به مساوياً في ذلك للعذب فقال :﴿ومن كل﴾ أي من الملح والعذب ﴿تأكلون﴾ من السمك المنوع إلى أنواع تفوت الحصر وغير السمك ﴿لحماً طرياً﴾ أي شهي المطعم، ولم يضر ما بالملح ما تعرفون من أصله ولا زلد في لذة ما بالحلو ملاءمته لكم.
ولما ذكر من متاعه ما هو غاية في اللين، أتبعه من ذلك ما هو غاية في الصلابة فقال :﴿وستتخرجون﴾ أي
٢١٠