ولما كان من من أغرب الأشياء الدالة على تمام القدرة الدال على الوحدانية أن يكون شيء واحد سبباً لسعادة قوم وهداهم، وشقاوة قوم وضلالهم وعماهم وكان ذلك، امراً دقيقاً وخطباً جليلاً، لا يفهمه حق فهمه إلا أعلى الخلائق، ذكر المخاطب بهذا الذكر ما يشاهد من آيته، فقال على طريق الإخبار في قوله :" الله الذي أرسل الرياح " ولفت القول إلى الاسم الأعظم دلالة على عظمة ما في حيزه :﴿ألم تر أن الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿أنزل من السماء﴾ أي التي لا يصعد إليها الماء ولا يستمسك يشابهه في مماثلة بعضه لبعض، فلا قدرة لغيره سبحانه على تمييز شيء منه إلى ما يصلح لشيء دون آخر ولما كان أمراً فائتا لقوى العقول، نبه عليه بالالتفات إلى مظهر العظمة فقال :﴿فأخرجنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿به﴾ أي الماء من الأرض ﴿ثمرات﴾ أي متعددة الأنواع ﴿مختلفاً ألوانها﴾ أي ألوان أنواعها وأصنافها وهيئاتها وطبائعها، فالذي قدر على المفاوتة بينها وهي من ماء واحد لا يستبعد عليه أن يجعل الدلائل بالكتاب وغيره نوراً لشخص وعمى لآخر.
ولما ذكر تنوع ما عن الماء وقدمه لأنه الأصل في التلوين كما أنه الأصل في التكوين، أتبعه التلوين عن التراب الذي هو أيضاً شيء واحد، فقال ذاكراً ما هو أصلب الأرض وأبعدها عن قابلية التأثر وقطعه عن الأول لأن الماء لا تأثير له فيه :﴿ومن﴾ أي ومما خلقنا من ﴿الجبال جدد﴾ أي طرائق وعلامات وخطوط متقاطعة ﴿بيض وحمر﴾
٢٢٠
ولعله عبر عنها بذلك دون طرق إشارة إلى أن من غرابتها أنها لا تخلق ولا تضمحل ألوانها على طول الزمان كما هو العادة في غالب ما يتقادم عهده، والجد بالفتح، والجدة بالكشر، والجدد بالتحريك : وجه الأرض، وجمعه جدد بالكشر، والجدة بالضم : الطريقة والعلامة والخط في ظهر الحمار يخالف لونه وجمعه جدد كغدة البعير، والأرض الغليظة المستوية، والجدجد بالفتح : الأرض المستوية.


الصفحة التالية
Icon