ولما ذكر الوصلة بينهم وبين الخالق، ذكر إحسانهم إلى الخلائق، فقال دالاً على إيقاع الفعل بالتعبير بالماضي، وعلى الدوام بالسر والعلن لافتاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على أن الرزق منه وحده، لا بحول أحد غيره ولا غيره :﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ أي بحولنا وقوتنا لا بشيء من أمرهم في جميع ما يرضينا، ودل على مواظبتهم على الإنفاق وإن أدى إلى نفاد المال بقوله :﴿سراً وعلانية﴾ وعبر في الأول بالمضارع لأن إنزالها كان قبل التمام وتصريحاً بتكرار التلاوة تعبداً ودراسة لأن القرأن كما قال النبي ﷺ "أشد تفلتا من الإبل في عقلها" أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفي الثاني والثالث بالماضي حثاً على المبادرة إلى الفعل، وقد تحصل من هذا أنه جعل لفعل القلب الذي هو الخشية دليلاً باللسان وآخر بالإركان وثالثاً بالأموال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٠
ولما أحلهم بالمحل الأعلى معرفاً أنهم أهل العلم الذي يخشون الله، وكان العبد لا يجب له على سيده شيء، قال منبهاً على نعمة الإبقاء الثاني التي هي أم النعم والنتيجة العظمى المقصودة بالذات :﴿يرجون﴾ أي في الدنيا والآخرة ﴿تجارة﴾ أي بما عملوا ﴿لن تبور*﴾ أي تكسد وتهلك بل هي باقية، لأنها دفعت إلى من لا تضيع لديه الودائع وهي رائجة رابحة، لكونه تام القدرة شامل العلم له الغنى المطلق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٠
ولما كان المراد بعدم هلاكها حفظها وبقاءها إلى يوم لقائه، علله بقوله، مقتصراً
٢٢٣
على الضمير لأن السياق للمؤمنين، ولذا لفته إلى ضمير الغيبة لأن إيمانهم بالغيب ﴿ليوفيهم﴾ أي على تلك الأعمال ﴿ويزيدهم﴾ أي على ما جعله بمنه وبيمنه حقاً لهم عليها ﴿من فضله﴾ أي زيادة ليس فيها تسبب أصلاً، بل سيء بعد ما منّ عليهم بما قابل أعمالهم به مما يعرفون أنه جزاءها مضاعفاً للواحد عشرة إلى ما فوق.


الصفحة التالية
Icon