ولما كان هذا ليس في قوة العبد في مجارى العادات، ولا يؤخذ بالكسب والاجتهادات، أشار إلى عظمته بقوله :﴿بإذن الله﴾ أي بتمكين من له القدرة التامة والعظمة العامة والفعل بالاختيار وجميع صفات الكمال وتسهيله وتيسره لئلا يأمن أحد مكره تعالى، قال الرازي في اللوامع : ثم من السابقين من يبلغ محل القربة فيستغرق في وحدانيته، وهو الفرد الذي اهتز في ذكره - انتهى -.
ثم زاد عظمة هذا الأمر بياناً، فقال مؤكداً تكذيباً لظنون الجاهلين لأن السابق كلما علا مقامه في السبق قل حظه من الدنيا، فرأى الجاهلون أنه مضيع لنفسه :﴿ذلك﴾ أي السبق أو إيراث الكتاب ﴿هو﴾ مشيراً بأداة البعد مخصصاً بضمير الفصل ﴿الفضل الكبير*﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٣
ولما ذكر تعالى أحوالهم، بين جزاءهم ومآلهم، فقال مستانفاً جواباً لمن سأل عن ذلك :﴿جنات﴾ أي هي مسببة عن سبب السبق الذي هو الفضل، ويصح كونها بدلاً من الفضل لأنه سببها، فكان كأنه هو الثواب ﴿عدن﴾ أي إقامة بلا رحيل لأنه لا سبب
٢٢٧
للرحيل عنها ﴿يدخلونها﴾ أي الثلاثة أصناف، ومن دخلها لم يخرج منها لأنه لا شيء يخرجه ولا هو يريد الخروج على أن الضمير لـ " الذين " ومن قال لـ " عبادنا " خص الدخول بالمقتصد والسابق - هذا على قراءة الجماعة بفتح الياء وضم الخاء، وعلى قراءة أبي عمرو بالبناء للمفعول يكون الضمير للسابق فقط، لأنهم يكونون في وقت الحساب على كثبان المسك ومنابر النور فيستطيبون مكانهم، فإذا دعوا إلى الجنة أبطؤوا فيساقون إليها كما في آخر الزمر.


الصفحة التالية
Icon