ولما كان قد ثبت في سورة الملائكة أنه سبحانه الملك الأعلى، لما ثبت له من تمام القدرة وشمول العلم، وكان من أجلّ ثمرات الملك إرسال الرسل إلى الرعايا بأوامر الملك وردهم عما هم عليه مما دعتهم إليه النفوس، وقادتهم إليه الشهوات والحظوظ، إلى ما يفتحه لهم من الكرم، ويبصرهم به من الحكم، وكانت الرسالة أحد الأصول الثلاثة التي تنقل الإنسان من الكفر إلى الإيمان، وكانت هي المنظور إليها أولاً لأنها السبب في الأصلين الآخرين، وكانوا قد ردوا رسالته نفوراً واستكباراً، قال مقدماً لها تقديم السببعلى مسببه على وجه التأكيد البليغ مع ضمير الخطاب الذي لا يحتمل لبساً :﴿إنك لمن المرسلين﴾ أي الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم، فصاروا - بما وهبهم الله القدرة النورانية - كالملائكة الذين قدم في السورة الماضية أنهم رسله وفي عدادهم بما تخلقوا به من أوامره ونواهيه وجميع ما يرتضيه.
ولما كان الأنبياء عليهم السلام من نوره ﷺ، لأنه أولهم خلقاً وآخرهم بعثاً، فكانوا في الحقيقة إنما هم ممهدون لشرعه، وكان سبحانه إنما أرسله ليتمم مكارم الأخلاق، وكان قد جعل سبحانه من المكارم أن لا يكلم الناس إلا بما تسع عقولهم، وكانت عدم المرسلين كما في حديث أبي أمامة الباهلي عن أبي ذر رضي الله عنهما عند أحمد في المسند ثلاثمائة وخمسة عشر، وفيه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون
٢٤٣


الصفحة التالية
Icon