ولما منعوا بذلك حس البصر، أخبر عن حس السمع فقال :﴿وسواء﴾ أي مستو ومعتدل غاية الاعتدال من غير نوع فرق ؛ وزاد في الدلالة على عدم عقولهم بالتعبير بأداة الاستعلاء إيذاناً بأنهم إذا امتنعوا مع المستعلي كانوا مع غيره أشد امتناعاً فقال :﴿عليهم ءأنذرتهم﴾ أي ما أخبرناك به من الزواجر المانعة من الكفر ﴿أم لم تنذرهم﴾ ثم بيّن أن الذي استوى حالهم فيه بما سببه الإغشاء عدم الإيمان، فقال مستانفاً :﴿لا يؤمنون*﴾ ولما بيّن ما كان السبب المانع لهم من الإبصار، علم أن السبب المانع من السمع مثله، لأن المخبر عزيز، فهو إذا فعل شيئاً كان على وجه لا يمكن فيه حيلة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٥
ولما أخبر أن الأكثر بهذه الصفة، استشرف السامع إلى إمارة يعرف بها الأقل الناجي لأنه المقصود بالذات فقال جواباً له :﴿إنما تنذر﴾ أي إنذاراً ينتفع به المنذر فيتأثر عنه النجاة، فالمعنى : إنما يؤمن بإنذارك ﴿من اتبع الذكر﴾ أي أجهد نفسه في اتباع كل ما يذكر بالله من القرآن وغيره ويذكر به صاحبه ويشرف ﴿وخشي الرحمن﴾ أي خاف العام الرحمة خوفاً عظيماً، ودل لفت الكلام عن مظهر العظمة إلى الوصف بالرحمانية على أن أهل الخشية يكفيهم في الاتعاظ التذكير بالإحسان ﴿بالغيب﴾ أي بسبب ما يخبر به من مقدوراته الغائبة لا سيما البعث الذي كان اختصاصها بغاية بيانه بسبب كونها قلباً من غير طلب آية كاشفة للحجاب بحيث يصير الأمر عن شهادة لا غيب فيه، بل تجويزاً لما يجوز من انتقامه ولو بقطع إحسانه، لما ثبت له في سورة فاطر من القدرة والاختيار، ويخشاه أيضاً خشية خالصة في حال غيبته عمن يرائيه من الناس، فهؤلاء هم الذين ينفعهم الإنذار، وهو المتقون الذين ثبت في البقرة أن الكتاب هدى لهم، وغيرهم لا
٢٤٧


الصفحة التالية
Icon