ولما كان كثير من أهل الجهل وذوي الحمية والأنفة لا يبالون بالهلاك في متابعة الهوى اعتماداً على أن موتة واحدة في لحظة يسيرة أهون من حمل النفس على ما لا تريد، فيكون لهم في كل حين موتات، أخبر تعالى أن الأمر غير منقض بالهلاك الدنيوي، بل هناك من الخزي والذل والهوان والعقوبة والإيلام ما لا ينقضي أبداً فقال :﴿وإن كل﴾ أي وإنهم كلهم، لا يشذ منهم أحد، وزاد في التأكيد لمزيد تكذيبهم بقوله :﴿لما﴾ ومن شدد ﴿لما﴾ فالمعنى عنده " وما كل منهم إلا " وأشار إلى أنهم يأتون صاغرين راغمين في بحال التخلف عن الانتصار عليه فقال :﴿جميع﴾ وأشار إلى غرابة الهيئة التي يجتمعون عليها بقوله :﴿لدنيا﴾ وزاد في العظمة بإبرازه في مظهرها، وعبر باسم الفاعل المأخوذ من المبني للمفعول جامعاً نظراً إلى معنى ﴿كل﴾ لأنه أدل على الجمع في آن واحد وهو أدل على العظمة :﴿محضرون*﴾ أي في يوم القيامة
٢٥٨
بعد بعثهم بأعيانهم كما كانوا في الدنيا سواء، إشارة إلى أن هذا الجمع على كراهة منهم وإلى أنه أمر ثابت لازم دائم، كأنه لعظيم ثباته لم يزل، وأنه لا بد منه، ولا حيلة في التفصي عنه، وأنه يسير لا توقف له غير الإذن، فإذا أذن فعله كل من يؤمر به من الجنود كائناً من كان، وما أحسن ما قال القائل :
ولو أنا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي


الصفحة التالية
Icon