﴿حتى عاد﴾ أي بعد أن كان بدراً عظيماً ﴿كالعرجون﴾ من النخل وهو عود العذق ما بين شماريخه إلى منتهاه وهو منتبه من النخلة دقيقاً منحنياً، وهو فعلول ذكره أهل اللغة في النون وقالوا : عرجن الثوب : صور فيه صور العراجين، وقال المفسرون : إنه من عرج، أي أعوج.
ولما كانت حمرته آخذة إلى صفرة قال :﴿القديم*﴾ أي المحول، فإن العرجون إذا طال مكثه صار كذلك، فدق وانحنى واصفر.
ولما تقرر أن لكل منهما منازل لا يعدوها، فلا يغلب ما هو آيته ما هو آية الآخر، بل إذا جاء سلطان هذا ذهب ذاك، وإذا جاء ذاك ذهب هذا، فإذا اجتمعنا قامت الساعة، تحرر أن نتيجة هذه القضايا :﴿لا الشمس﴾ أي التي هي آية النهار ﴿ينبغي لها﴾ أي ما
٢٦٣
دام هذا الكون موجوداً على هذا الترتيب ﴿أن تدرك﴾ أي لأن حركتها بطيئة ﴿القمر﴾ أي فتطسمه بالكلية، فما النهار سابق الليل ﴿ولا الّيل سابق النهار﴾ أي حتى ينبغي للقمر مع سرعة سيره أن يدرك الشمس ويغلبها فلا يوجد نهار أصلاً، ولو قيل : يستبق لاختل المعنى على ما حذف من الثانية من نفي إدراك القمر للشمس، وذكر ثانياً سبق الليل النهار لما له من القوة بما يعرض من النهار فيغشيه دليلاً على حذف سبق النهار الليل أولاً ﴿وكل﴾ أي من المذكورات حقيقة ومجازاً ﴿في فلك﴾ محيط به، ولما ذكر لها فعل العقلاء، وكان على نظام محرر لا يختل، وسير مقدر لا يعوج ولا ينحل، فكان منزهاً عن آفة تلحقه، أو ملل يطرقه، عبر بما تدور مادته على القدرة والشدة والاتساع فقال : آتياً بضمير العقلاء جامعاً لأنه أدل على تسخيرهم دائماً :﴿يسبحون*﴾ حثاً على تدبر ما فيها من الآيات التي غفل عنها - لشدة الإلف لها - الجاهلون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٣


الصفحة التالية
Icon