ولما كان الإخبار بالنفخ لا ينفي التعدد، قال محقراً لأمر البعث بالنسبة إلى قدرته مظهراً للعناية بتأكيد كونها واحدة بجعل الخبر عنه أصلاً مستقلاً بفضله عن النفخ والإيتان فيه بفعل الكون و" إن " النافية لأدنى مظاهر مدخولها فكيف بما وراءه دون " ما " التي إنما تنفي التمام :﴿إن﴾ أي ما ﴿كانت﴾ أي النفخة التي وقع الإحياء بها مطلق كون ﴿إلا صيحة واحدة﴾ أي كما كانت نفخة الإماتة واحدة ﴿فإذا هم﴾ أي فجأة من غير توقف أصلاً ﴿جميع﴾ أي على حالة الاجتماع، لم يتأخر منهم أحد، يتعللون به في ترك الانتصار، ودوام الخضوع والذل والصغار، ولما كان ذلك على هيئات غريبة لا يبلغ كنهها العقول، قال لافتاً القول إلى مظهر العظمة معبراً بما للأمور الخاصة :﴿لدينا﴾ ولما كان ذلك أمراً لا بد منه، ولا يمكن التخلف عنه، عبر بصيغة المفعول وأكد معنى الاجتماع بالجمع نظراً إلى معنى جميع ولم يفرد اعتباراً للفظها لما ذكر من المعنى فقال :﴿محضرون*﴾ أي بغاية الكراهة منهم لذلك بقادة تزجرهم وساقة تقهرهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٦٨
ولما كان هذا الإحضار بسبب العدل وإظهار جميع صفات الكمال قال :﴿فاليوم﴾ ولما كان نفي الظلم مطلقاً أبلغ من نفيه عن أحد بعينه، وأدل على المراد وأوجز، قال لافتاً القول عن الإظهار أو الإضمار بمظهر العظمة أو غيره! ﴿لا تظلم﴾ ولما كان التعبير بما كثر جعله محط الراذائل والحظوظ والنقائص أدل على عموم نفي الظلم قال :﴿نفس﴾ أي أيّ نفس كانت مكروهة أو محبوبة ﴿شيئاً﴾ أي لا يقع لها ظلم ما من أحد
٢٦٩
ما في شي ما.
ولما كانت المجازاة بالجنس أدل على القدرة وأدخل في العدل، قال محققاً بالخطاب والجمع أن المنفي ظلمه كل من يصلح للخطاب لئلا يقع في وهم أن المنفي ظلمه نفوس مخصوصة أو نفس واحد :﴿ولا تجزون﴾ أي على عمل من الأعمال شيئاً من الجزاء من أحد ما ﴿إلا ما كنتم تعملون*﴾ ديدناً لكم بما ركز في جبلاتكم.


الصفحة التالية
Icon