وقاال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة يس من جليل التنبيه وعظيم الإرشاد وما يهتدي الموفق باعتبار بعضه، ويشتغل المعتبر به في تحصيل مطلوبه وفرضه، ويشهد بأن الملك بجملته لواحد، وإن رغم أنف المعاند والجاحد، أتبعها تعالى بالقسم علة وحدانيته فقال تعالى ﴿والصافات﴾ - الآية إلى قوله تعالى ﴿إن إلهكم لواحد﴾ إلى قوله ﴿ورب المشارق﴾ ثم عاد الكلام إلى التنبيه لعجيب مصنوعاته فقال تعالى ﴿إنا رأينا السماء الدنيا بزينة الكواكب﴾ إلى قوله ﴿شهاب ثاقب﴾ ثم أتبع بذكر عناد من جحد مع بيان الأمر ووضوحه وضعف ما خلقوا منه ﴿إنا خلقناهم من طين لازب﴾ ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية وعظيم حيرتهم وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا، والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم وجريهم في العناد والتوقف والتكذيب على سنن متقارب، وأخذ كل بذنبه، وتخليص رسل الله وحزبه، وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم وقربه، ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين إلى ختم السورة - انتهى.
٢٩١
ولما ثبت أنه واحد، أنتج وصفه بقوله :﴿رب﴾ أي موجد ومالك وملك ومدبر ﴿السموات﴾ أي الأجرام العالية ﴿والأرض﴾ أي الأجرام السافلة ﴿وما بينهما﴾ أي من الفضاء المشحون من المرافق والمعاون بما تعجز عن عدة القوى، وهذا - مع كونه نتيجة ما مضى - يصلح أن يكون دليلاً عليه لما أشار إليه من انتظام التدبير الذي لا يتهيأ مع التعدد كما أن المقسم به هنا إشارة إلى دليل الوحدانية أيضاً على نظام واحد دائماً في الطاعة التي أشير إليها بالصف والزجر والتلاوة، فسبحان من جعل هذا القرآن معجز النظام، بديع الشأن بعيد المرام.


الصفحة التالية
Icon