من المعلوم قطعاً أن الجواب : ليسوا أشد خلقاً من ذلك، فليس بعثهم ممتنعاً، وليست غلبتهم لرسول الواحد القهار - الذي حكمه في هذا الوحي بإظهاره على الدين كله - بجائزة أصلاً، نقلاً ولا عقلاً، بوجه من الوجوه، فلا شبهة لهم في إنكاره ولا في ظنهم أنهم يغلبون رسولنا، بل هم في محل عجب شديد في إنكاره وظنهم أنهم غالبون في الدنيا، عبر عن ذلك بقوله، مسنداً العجب إلى أجلّ الموجودات أو أجلّ المخلوقات تعظيماً لم بمعنى أنه قول يستحق أن يقال فيه : أنه لا يدري ما الذي أوقع فيه وكان سبباً لارتكابه، فقال :﴿بل عجبت﴾ بضم التاء على قراءة حمزة والكسائي لفتاً للقول من مظهر العظمة للتصريح بإسناد التعجب إليه سبحانه إشارة إلى تناهي هذا العجب إلى حد لا يوصف لإسناده إلى من هو منزه عنه، وبفتحها عند الباقين أي من جرأتهم في إنكارهم البعث ولا سيما وقد دل عليه القرآن في هذه الأساليب الغريبة والوجوه البديعة العجيبة التي لا يشك فيها من له أدنى تصور، وقد كان النبي ﷺ ظن كما هو اللائق أنه لا يسمع القرآن أحد إلا آمن به، قال القشيري : وحقيقة التعجب تغير النفس بما خفي فيه السبب مما لم تجر العادة بحدوث مثله، ومثل هذا حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ﷺ قال لأم سليم وأبي طلحة رضي الله عنهما : ضحك - وفي رواية :"عجب - الله من فعالكما الليلة" وحديث البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً "عجب ربنا من أقدام يقادون إلى الجنة في السلاسل ".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣


الصفحة التالية
Icon