ثم سبب عن الوعد بتحتم كونه ما يدل على أنه غاية في الهوان فقال :﴿فإنما﴾ أي يكون ذلك بسبب أنكم تزجرون فتقومون، والزجرة التي يقومون بها إنما ﴿هي زجرة﴾ أي صيحة، وأكد ما يفهمه من الوحدة لأجل إنكارهم تصريحاً بذلك وتحقيراً لأمر البعث في جنب قدرته سبحانه وتعالى فقال :﴿واحدة﴾ وهي الثانية التي كانت الإماتة لجميع الأحياء في آن واحد بمثلها، وأصل الزجر الانتهار
٢٩٧
ويكون لحث أو منع، وإنما يكون ذلك للمقدور عليه فعل ما يغضب الزاجر، فلذلك سمى الصيحة زجرة.
ولما كان هذا الكلام مؤذناً بالغضب، حققه بصرف الكلام عن خطابهم جعلاً لهم بمحل البعد وتعميماً لغيرهم، فقال معبراً بالفاء المسببة المعقبة وأداة المفأجأة :﴿فإذا هم﴾ أي جميع الأموات بضمائرهم وظواهرهم القديم منهم والحديث أحياء ﴿ينظرون*﴾ أي في الحال من غير مهلة أصلاً، ولا فرق بين من صار كله تراباً ومن لم يتغير أصلاً، ومن هو بين ذلك، ولعله خص النظر بالذكر لأنه لا يكون إلا مع كمال الحياة، ولذلك قال ﷺ "إذا قبض الروح تبعه البصر ".
وأما السمع فقد يكون لغير الحي لأنه ﷺ قال في الكفار من قتلى بدر "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ".
وشاهدت أنا في بلاد العرقوب المجاروة لبانياس من بلاد الشام شجرة شوك يقال لها الغبيراء متى قيل عندها " هات لي المنجل لأقطع هذه الشجرة " أخذ ورقها في الحال في الذبول - فالله أعلم ما سبب ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٦
ولما حصل الغرض من تصوير حالهم بهذا الفعل المضارع، عطف عليه بصيغة المضي التي معناها الاستقبال إعلاماً بتحقق الأمر تحقق ما مضى وكان، وتحققه مع القيام سواء من غير تخلف ولا تخلل زمان أصلاً فقال :﴿وقالوا﴾ أي كل من جمعه البعث من الكفرة معلمين بما انكشف لهم من أنه لا ملازم لهم غير الويل :﴿يا ويلنا﴾ أى يا من ليس لنا نديم غيره ﴿هذا يوم الدين*﴾ أي الجزاء لكل عامل.


الصفحة التالية
Icon