ولما أوقفوا هذا الموقف الذليل، قد شغلهم ما دهمهم من الأسف عن القال والقيل، نودوا من مقام السطوة، وحجاب الجبروت والعزة، زيادة في تأسيفهم وتوبيخهم وتعنيفهم لفتاً عن سياق الغيبة إلى الخطاب دلالة على أعظم خيبة :﴿ما لكم﴾ أي أيّ شيء حصل لكم فشغلكم وألهاكم حال كونكم ﴿لا تناصرون*﴾ أي ينصر بعضكم بعضاً، ويتسابقون في ذلك تسابق المتناظرين فيه أولي الجد والشكيمة والنخوة والحمية ولو بأدنى التناصر - بما يفهمه إسقاط التاء، أو بعد تمكث وإعمال حلية - بما أشارت إليه قراءة البزي عن ابن كثير بالمد والإدغام : أين قولكم في بدر " نحن جميع منتصر " معبرين بما دل على ثبات المناصرة.
ولما كان قد دهمهم من الأمر ما أوجب إبلاسهم، وأحدّ إدراكهم وإحساسهم، أشار إلى ذلك بإحلالهم في محل الغيبة المؤذنة بالإبعاد بأن قال مضرباً عما تقديره : أنهم لا يتناصرون :﴿بل هم﴾ وزاد في تعظيم ذلك الوقت والتذكير به فقال :﴿اليوم مستسلمون*﴾ أي ثابت لهم استسلامهم ثباتاً لا زوال له، قد خذل بعضهم بعضاً موجدين الإسلام أي الانقياد إيجاد من كأنه يطلبه ويعظم فيه رغبته رجاء أن يخفف ذلك عنهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٨
ولما أخبر بأنهم سئلوا فلم يجيبوا، كان ربما ظن أنهم أخرسوا فنبه على أنهم يتكلمون بما يزيد نكدهم، فقال عاطفاً على قوله ﴿وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين﴾ إشارة إلى إقبالهم على الخصام، حين تمام القيام، والأخذ في تحريك الأقدام، بالسير على هيئة الاجتماع والازحام، إلى مواطن النكد والاغتنام، ولم يعطفه بالفاء لأنه ليس مسبباً عن القيام، ولا عن الإيقاف للسؤال، بخلاف ما يأتي عن أهل الجنة :﴿وأقبل بعضهم﴾
٣٠٠
أي الذين ظلموا ﴿على بعض﴾ أي بعد إيافهم وتوبيخهم، وعبر عن خصامهم تهكماً بهم بقوله :﴿يستاءلون*﴾ أي سؤال خصومة.


الصفحة التالية
Icon