ولما كان أول ما يختار في الشراب لونه ثم طعمه، قال واصفاً ما في الكأس من الخمر استخداماً :﴿بيضاء﴾ أي مشرقة صافية هي في غاية اللطافة تتلألأ نوراً، وأعرق في وصفها بالطيب بجعلها تفسيراً للمعنى في قوله :﴿لذة للشاربين*﴾ بما كانوا يتجرعون من كأسات الأحزان والأنكاد، واظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف، وجمع إشارة إلى أنهم لا يعلونها إلا كذلك بما فيه من مزيد اللذة.
ولما كان قد أثبت لها الكمال، نفى عنها النقص فقال :﴿لا فيها غول﴾ أي فساد من تصديع رأس أو إرخاء مفصل أو إخماء كبد أو غير ذلك مما يغتال أي يهلك، أو يكون سبباً للهلاك ﴿ولا هم عنها﴾ أي عادة بعد شربها ﴿ينزفون*﴾ أي يذهب شيء من عقولهم وإن طال شربهم وكثر لئلا ينقص نعيمهم ولا ينفذ شرابهم أو ما عندهم من الجدة لكل ما يسر به - على قراءة حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف - مبيناً للفاعل مثل أقل وأعسر - إذا صار قليل المال، أو ذهب عقله، وقراءة الجماعة بالبناء للمفعول يحتمل أن تكون من نزف، وحينئذ يحتمل أن تكون من نفاذ الشراب من قولهم : نزفت الركية، أى ذهب ماؤها، وحينئذ يحتمل أن تكون من ذهاب العقل من أنزف الرجل - إذا ذهب عقله بالسكر، وأن تكون من عدم الشراب من قولهم : نزف الرجل الخمرة - سواء كان مبيناً للفاعل أو المفعول - إذا أفناها.
ولما كان كله لا يكمل إلا بالجماع، والخمر أدعى شيء إليه، وهو لا يكمل النعيم به إلا بالاختصاص قال :﴿وعندهم﴾ نساء من أهل الدنيا وغيرها ﴿قاصرات الطرف﴾ أي لا تطرف واحدة منهن إلى غير زوجها ولا يدعه تناهي حسنها وفرط جمالها طرفها يطرف إلى غيرها ﴿عين*﴾ أي نجل العيون، جمع عيناء، كسرت عينه لمناسبة الياء.