ولما كان ظنه أنه لا يخلص من شر ذلك القرين الذي يحدث عنه فنجاه الله منه على خلاف الظاهر، فكان ذلك إحدى النعم الكبرى، نبه عليه بالتأكيد فقال :﴿إني كان لي قرين*﴾ أي جليس من الناس كأنه شيطان مبين ﴿يقول﴾ أي مكذباً بالبعث مستبعداً له غاية الاستبعاد مجدداً لقوله في كل وقت، يريد أن يختدعني بلطافة قياده إلى سوؤ اعتقاده :﴿أإنك لمن الصادقين*﴾ أي بالبعث - يوبخني بذلك ويستقصر باعي في النظر استثارة لهمتي وإلهاباً لنخوتي وحميتي، ويكرر الإنكار بقوله :﴿أإذ متنا﴾ أي فذهبت أوراحنا ﴿وكنا﴾ أي كوناً راسخاً ﴿تراباً وعظاماً﴾ أي فانمحقت أجسامنا التي هي مراكب الأرواح ﴿أإنا لمدينون*﴾ أي لمجزيون بعد ذلك بما عملنا بان نبعث ونجازى، وكان تأكيده للإشارة منه إلى كل عاقل جدير بأن يكذب بما أقررت به لبعده، أو إلى أنه مكذب به ولو كان مؤكداً.
ولما كان هذا المقال سبباً لعظيم تشوف السامع إلى ما يكون بعده، وكان أهل الجنة من علو المكان والمكانة وصحة الأجسام وقوة التركيب ونفوذ الأبصار بحيث ينظرون ما شاؤوا من النار وغيرها مما دونهم متى شاؤوا، استانف قوله مشيراً إلى أن حاله هذت معلم أنه من أهل النار :﴿قال﴾ أي هذا القائل لشربه هؤلاء الذين هم كما قال بعضهم في موشح :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٠
رب شرب كالعقد قد نظموا في ثياب طرازها الكرم
٣١٢
فاغتنمت الهنا كما اغتنموا وظننت الكؤوس بينهمو
﴿هل أنتم مطلعون*﴾ أي شافون قلبي بأن تتركوا ما أنتم فيه من تمام اللذة وتكلفوا أنفسكم النظر معي في النار لتسروني بذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٠