ولما فات الوصف هذا التشويق إلى هذا النعيم، رمى في نعته رمية أخرى سبقت العقول وتجاوزت حد الإدراك وعلت عن تخيل الوهم في استفهام منفر من ضده بمقدار الترغيب فيه لمن كان له لب فقال :﴿أذلك﴾ الجزاء البعيد المنال البديع المثال ﴿خير نزلا﴾ فأشار بذلك إلى أنه إنما هو شيء يسير كما يقدم للضيف عند نزوله على ما لاح في جنب ما لهم وراء ذلك مما لا تسعه العقول ولا تضبطه الفهوم :﴿أم شجرة الزقوم*﴾ أي التي تعرفها بأنها في غاية النتن والمرارة، من قولهم : تزقم الطعام - إذا تناوله على كره ومشقة شديدة، وعادل بين ما لا معادلة بينهما بوجه تنبيهاً على ذلك، ولأنهم كانوا يرون ما سبب ذلك من الأعمال خيراً من أعمال المؤمنين التي سببت لهم النعيم، فكأنهم كانوا يقولون : إن هذا العذاب خير من النعيم، فسيق ذلك كذلك توبيخاً لهم على سوء أختيارهم.
٣١٤
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٣