ولما أخبر عن عذابهم هذا، وكان سببه الجمود مع العادة الجارية على غير الحق، والتقيد بما ألفته النفس ومال إليه الطباع، مما أصّله من يعتقدون أنه أكبر منهم وأتم عقلاً، علل ذلك تحذيراً من مثله لأنه كان سبب هلاك أكثر الخلق، وأكده لأنهم ينكرون ضلال من اصّل لهم، فتلك العوائد من آبائهم وغيرهم فقال :﴿إنهم ألفوا﴾ أي وجدوا وجدانا ألفوه ﴿آباءهم ضالين*﴾ أي عريقين في الضلال، فما هم فيه لا يخفى على أحد أنه ضلال يتسبب عنه النفرة عن صاحبه ﴿فهم﴾ أي البعداء البغضاء ﴿على آثارهم﴾ أي التي لا تكاد تبين لأحد لخفاء مذاهبها لوهيها وشدة ضعفها وانطماس معالمها، لا على غيرها ﴿يهرعون*﴾ أي كأنهم يلجئهم ملجئ إلى الإسراع، فهم في غاية المبادرة إلى ذلك من غير توقف على دليل ولا استضاءة بحجة بحيث يلحق صاحب هذا الإسراع من شدة تكالبه عليه شيء هو كالرعدة، وذلك ضد توقفهم وجمودهم فيما أتاهم به رسولنا ﷺ من شجرة الزقوم وغيرها مما هو في غاية الوضوح والجلاء، فأمعنوا في التكذيب به والاستهزاء، وأصروا بعد قيام الدلائل، فكانوا كالجبال ثباناً على ضلالهم، والحجارة الصلاب الثقال رسوخاً في لازب أوحالهم.
٣١٦
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٥
ولما كان النبي ﷺ شديد المحبة لهداهم والحزن على ضلالهم، والأسف على غيهم ومحالهم، وكان الضلال مع العقل أولاً، ثم مع وجود الرسل الذين هم من الصدق والمعجزات والأمور الملجئة إلى الهدى ثانياً كالمحال، سلاه سبحانه بقوله على سبيل التأكيد لزيادة التحقيق :﴿ولقد ضل قبلهم﴾ أي قبل من يدعوهم في جميع الزمان الذي تقدمهم ﴿أكثر الأولين*﴾ بحيث إنه لم يمض قرن بعد آدم عيله السلام إلا وكله أو جله ضلال.


الصفحة التالية
Icon