ولما كان من المعلوم أنهم كلموه في ذلك فطال كلامهم، وكان تشوف النفس إلى جوابه أكثر، استأنف الخبر عنه في قوله :﴿قال﴾ غير هائب لهم ولا مكترث بهم لرؤيته لهم فانين منكراً عليهم :﴿أتعبدون﴾ وندبهم بالمضارع إلى التوبة والرجوع إلى الله، وعبر بأداة ما لا يعقل كما هو الحق فقال :﴿ما تنحتون*﴾ أي إن كانت العبادة تحق لأحد غير الله فهم أحق أن يعبدوكم لأنكم صنعتموهم ولم يصنعوكم.
ولما كان المتفرد بالنعمة وهو المستحق للعبادة، وكان الإيجاد من أعظم النعم، وكان قد بين أنهم إنما عبدوها لأجل عملهم الذي عملوه فيها فصيرها إلى ما صارت إليه من الشكل، قال تعالى مبيناً أنه هو وحده خالقهم وخالق أعمالهم التي ما عبدوا في الحقيقة إلا هي، وأنه لا مدخل لمنحوتاتهم في الخلق فلا مدخل لها في العبادة :﴿والله﴾ أي والحال أن الملك الأعظم الذي لا كفوء له ﴿خلقكم﴾ أي أوجدكم على هذه الأشكال ﴿وما تعملون*﴾ أي وخلق عملكم ومعمولكم، فهو المتفرد بجميع الخلق من الذوات والمعاني، ومعلوم أنه لا يعبد إلا من كان كذلك لأنه لا يجوز لعاقل أن يشكر على النعمة إلا ربها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٢
ولما كان السامع يعلم أنهم لا بد وأن لا يجيبوه بشيء، فتشوف إلى ذلك، أجيب بقوله :﴿قالوا ابنوا له﴾ أي لأجله ﴿بنياناً﴾ أي من الأحطاب حتى تصير كالجبل
٣٢٤
العظيم، فاحرقوها حتى يشتد لهبها جداً فيصير جحيماً ﴿فألقوه في﴾ ذلك ﴿الجحيم*﴾ أي معظم النار، وهي على أشد ما يكون إيقاداً.


الصفحة التالية
Icon