ولما كان حال سامعه جديراً بأن يقول : من لك بالمعرفة بما يحصل قصدك هذا من التعريف بالموضوع وبما تفعل مما يكون فيه الصلاح، وما تفعل في التوصل إليه ؟ قال :﴿سيهدين*﴾ أي إلى جميع ذلك بوعد لا خلف فيه إلى كل ما فيه تربية لي في أمر الهجرة لأنه أمرني بها، وهولا يأمر بشيء إلا نصب عليه دليلاً يهدي إليه، ويسهل لقاصدة المجتهد في أمره سبيله، وقد اختلفت العبارات عن سير الأصفياء إلى الحضرات القدسية، فهذه العبارة عن أمر الخليل عليه السلام، وعبر عن أمر الكليم عليه السلام بقوله ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا﴾ [الأعراف : ١٤٣] وعن أمر الحبيب عليه السلام بقوله ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ [الأسراء : ١] قال الأستاذ أبو القاسم القشيري وفصل بين هذه المقامات : إبراهيم عيله السلام كان بعين الفرق - يعني أنه بعدما كان فيه من الجمع حين كسر الأصنام من الفناء عما سوى الله رجع إلى حال الفرق لأنه لا بد من ذلك - وموسى عيله السلام بعين الجمع لأنه أخبر عن فعله من غير أن ينسب إليه قولاً، ثم أخبر أنه قال ﴿رب أرني﴾ فلم ير غيره سبحانه فطلب أن يريه وهذا هو الفناء، ونبينا ﷺ بعين جمع الجمع - لأن لم ينسب إليه قول ولا فعل، بل هو المراد إلى أن قال ﴿لنريه من آيتنا﴾
٣٢٥
فهذا هو الفناء حتى عن الفناء، ثم قال :﴿أنه هو السميع البصير﴾ فأثبت له مع ذلك الكمال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
ولما لم يجد له معيناً على الهجرة غير لوط ابن أخيه عليهما السلام، قال منادياً منادة الخواض بإسقاط الأداة :﴿رب﴾ أي أيها المحسن إلي ﴿هب لي من﴾ أي ولداً من ﴿الصالحين﴾ وأسقط الموصوف لأن لفظ الهبة غلب في الولد، فتسبب عن دعوته أنا استجبناها له ﴿فبشرناه بغلام﴾ أي بذكر في غاية القوة التي ينشأ عنها الغلمة.


الصفحة التالية
Icon