ولما كان المراد هذا - ولا بد - البرهان السمعي، بينه بما سبب عنه من قوله :﴿فأتوا بكتابكم﴾ أي الذي أتاكم بذلك السلطان من الملك في أنه اختار لنفسه ذلك، ودل على كذبهم تلويحاً بعد أن أتى به تصريحاً وهو أنكى ما يكون بالإيتان بأداة الشك
٣٤٨
في قوله :﴿إن كنتم صادقين*﴾ وهذه الآيات صادرة عن سخط وإنكار فظيع، والأساليب التي وردت عليها ناطقة بتسفيه أحلام المدعي لذلك وبجهل نفوسهم، واستركاك عقولهم، مع استهزاء وتهكم وتعجيب من أن يخطر مثل ذلك على بال فضلاً على أن يتخذ معتقداً، ويتظاهر به مذهباً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
ولما تم إظهار ضلالهم، بكتهم في أسلوب آخر معرضاً عن خطابهم تخويفاً من إحلال عذابهم فقال :﴿وجعلوا﴾ أي بعض العرب منابذين لما قضى بيانه من الأدلة ﴿بينه وبين الجنة﴾ أي الجن الذين هم شر الطوائف، وأنثهم إشارة إلى تحقيرهم عن هذا الأمر الذي أهلوهم له ﴿نسباً﴾ بأن قالوا : إنه - جلت سبحات وجهه وعظم تعالى جده - تزوج بنات سروات الجن، فأولد منهم الملائكة، ومن المعلوم أن أحداً لا يتزوج إلا من يجانسه، فأبعدوا غاية البعد لأنه لا مجانس له.
ولما كان النسيب يكرم ولا يهان قال مؤنثاً لضميرهم زيادة في تحقيرهم :﴿ولقد علمت الجنة﴾ أي مطلقاً السروات منهم والأسافل ﴿إنهم﴾ أي الجن كلهم ﴿لمحضرون*﴾ أي إليه بالبعث كرهاً ليعاملوا بالعدل مع بقية الخلائق يوم فصل القضاء، والتجلي في مظاهر العز والعظمة والكبرياء، فهم أقل من أن يدعى لهم ذلك.