ولما كابر بعضهم ودافع، لم يكن بأسرع من أن ولوا وطلبوا السلامة بالدخول فيما جعله ﷺ علماً على التأمين، وقال حماس بن قيس أخو بني بكر لما دخل بيته لامرأته : أغلقي عليّ الباب، فعيرته بالهزيمة بعن أن كانت تنهاه عن منابذة المسلمين فلا ينتهي ويقول لها : لا بد، أن أخدمك بعضهم :
إنك لو شهدت يوم الحندمه إذ فر صفوان وفر عكرمه واستقبلنا بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمه ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه لهم نهيت خلقنا وهمهمهلم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
ولما كان هذا منطبقاً على يوم الفتح، وكان ذلك اليوم قد أحل الكفار محلاًّ صاروا به بحيث لا اعتبار لهم قال :﴿وأبصر﴾ مسقطاً ضميرهم، أي أبصر ما تريد من شؤونك التي يهمك النظر فيها، وأما هم فصاروا بحيث لا يبالي بهم ولا يفكر في أمرهم ولا يلتفت إليهم، فإنا أبدلنا من عزتهم ذلاًّ، ومن كثرتهم قلاًّ، وجردنا تلك الأراضي
٢٥٣
من قاذورات الشرك، وأحللنا بها طهارة التنزيه وأقداس التحميد، وكذا كان، فإنه ﷺ قال لهم وهو على درج الكعبة وهم تحته كالغنم المجموعة في اليوم المطير بعد أن قال "ا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده " : تظنون أني فاعل بكم يا معاشر قريش" قالوا : خيراً، أخ كريم وابن أخ كرين، قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وقال له صفوان بن أمية : اجعلني بالخيار شهرين، قال "أنت بالخيار أربعة أشهر" ولم يكلف أحداً منهم الإسلام حتى أسلموا بعد ذلك طوعاً من عند آخرهم.
ولما حصر الطائف فعسرت عليه انصرف عنها، فما لبثوا أن أرسلوا إليه رسلهم وأسلموا فحسن إسلامهم ولم يرتد أحد منهم في الردة، وهذا من معنى ﴿فسوف يبصرون*﴾.