ولما كان ما يبديه من الخوارق إعجازاً فعلاً وقولاً يجذب القلوب، وكان أقرب ما يقدحون به فيه السحر قذفوه به ولم يعبروا بصيغة مبالغة لئلا يكون ذلك إيضاحاً جاذباً للقلوب إليه فقالوا :﴿ساحر﴾ أي لأنه يفرق بما أتى به بين المرء وزوجه، فاعترفوا - مع نسبتهم له إلى السحر وهم يعلمون أنهم كاذبون في ذلك - أن ما أتى به فوق ما لهم من القوى ﴿كذاب*﴾ أي في إدعائه أم ما سحر به حق ليس هو كسحر السحرة، وأتوا بوقاحة بصيغة المبالغة وقد كانوا قبل ذلك يسمونه الأمين وهو يعلمون أنه لم يتجدد له شيء إلا إيتانه بأصدق الصدق وأحق مع ترقيه في معارج الكمال من غير خفاء على أحد له أدنى تأمل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٧
ولما ذكر قولهم الناشئ عن عجبهم، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه :﴿أجعل﴾ أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه ﴿الآلهة﴾ أي التي نعبدها ﴿إلهاً واحداً﴾ ولما كان الكلام في الإلهية التي هي أعظم أصول الدين، وكان هو ﷺ وكا من تبعه بل وكل منصف ينكرون أن يكون هذا عجباً، بل العجب كل العجب ممن يقبل عقله أن يكون الإله أكثر من واحد، أكدوا قولهم لذلك وإعلاماً لضعفائهم تثبياً لهم بأنهم على غاية الثقة والاعتقاد لمل يقولون، لم يزلزلهم ما رأوا من منذرهم من الأحوال الغريبة على غاية ولا بد من صدقه، فسموها سحراً لعجزهم عنها :﴿إن هذا﴾ أي القول بالوحدانية ﴿لشيء عجاب*﴾ أي في غاية العجب - بما دلت عليه الضمة والصيغة، ولذلك قرئ
٣٥٩