ولما كان لقوم هود عليه السلام بعدهم من الضخامة والعز ما ليس لغيرهم مع قوة الأبدان وعلوا الهمم واتساع الملك حتى بنوا جنة في الأرض، أتبعهم بهم، ومن مناسبتهم لهم في أن عذابهم بالريح التي هي سبب السحاب الحامل للماء فقال :﴿وعاد﴾ مسمياً لهم بالاسم المنبه على ما كان لهم من المكنة بالملك، واستمروا في شقاقهم إلى أن خرجت عليهم الريح، ورأوها تحمل الإبل فيما بين السماء والأرض، وهجم عليهم أوائلها وهم يرون هوداً عليه السلام ومن معه من المؤمنين رضي الله عنهم في عافية منها، ولم يدعهم الشقاق يسألونه في الدعاء لهم ولا يذعنون لما دعاهم إليه.
ولما كان لهم من القوة والملك في جميع الأرض وبناء إرم ذات العماد ما يتضاءل معه ملك كل ملك، أتبعهم ملكاً ضخماً قهر غيره بعز سلطانه وكثرة أعوانه، حتى ادعى الألهية في زمانه، وتكبر بسعة ملكه والأنهار الجارية من تحته مع ما لم من الوفاق لهم بأن عذابه كان بالريح باطناً ففرقته طرقاً وأيبست تلك الطق، ولما خلص بنو إسرائيل أمرها الله تعالى فسكنت، فانطبق البحر على فرعون وآله، فقال تعالى :﴿وفرعون﴾ ذكره باسمه نصاً على حقيقة أمره وتصريحاً بكفره إبطالاً لما أظهره الأخابث من شره طعناً في الدين وتشككياً لضعفاء المسلمين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٣
ولما نص على كفره، وصفه بما يدل مع الدلالة على مشاركة عاد في ضخامة الأمر وعلى كفر قومه فقال :﴿ذو الأوتاد*﴾ أي الأسباب الموجبة لثبات الملك وتقويته من علو السلطان بكثرة الأعوان والتفرد بالأوامر وسعة العقل ودقة المكر وكثرة الحيل بالسحر وغيره وجودة التدبير بالعدل فيما يزعم وصولة القهر، قال أبو حيان : وأصله من البيت المطنب بأوتاده - قال الأفوه الأودي :
والبيت لا يبتنى إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
٣٦٥