ولما كانوا لمعرفتهم بصدق الآتي إليهم والقطع بصحة ما يقول كأنهم يرون العذاب ولا يرجعون، جرد فعل الانتظار فقال :﴿ينظر﴾ وحقرهم بقوله :﴿هؤلاء﴾ أي الذين أدبروا عنك في عزة وشقاق، وغاية جهدهم أن يكونوا من الأحزاب الذين تحزبوا على جندنا فأخذناهم بما هو مشهور من وقائعنا ومعروف من أيامنا بأصناف العذاب، ولم تغن عنهم كثرتهم ولا قوتهم شيئاً ولم يضر جندنا ضعفهم ولا قلتهم ﴿إلا صيحة﴾ وحقر أمرهم بالإشارة إلى أن أقل شيء من عذابه كافٍ في إهلاكهم فقال ﴿واحدة﴾ ولما كان السياق للتهديد فعلم به أن الوصف بالوحدة للتعظيم، بينه بقوله :﴿ما لها﴾ أي الصيحة ﴿من فواق*﴾ أي مزيد أيّ شيء من جنسها يكون فروقها، بقال : فاق أصحابه فوقاً وفواقاً، علاهم، وقرأه حمزة بالضم فيكون كناية عن سرعة الهلاك بها من غير تأخر اصلاً، فإن الفواق كغراب ما يأخذ المحتضر عند النزاع، والمعنى أنه لا يحتاج في إهلاكهم إلى زيادة على الصيحة الموصوفة لأنه لا صيحة فوقها، ففي ذلك تعظيم أقل شيء من عذابه وتحقير أعلى شيء من أمرهم ويجوز أن تكون القرءاتان من فواق الحلب، قال الصغائي : والفوق والفواق أي بالضم والفتح : ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك
٣٦٧
سريعة يرضعها الفصيل لتدر قال في القاموس : أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع، فالمعنى : ما لها من رجوع كما يرجع اللبن في الضرع عن الفواق وكما يرجع المريض بالإفاقة من المرض إلى الصحة، أو ما لها من انفصال وافتراق بقدر ما يتنفس فيه أحد أقل تنفس وأقصره زمناً كما هي عادة الأصوات المألوفة يكون فيها ترجيع يوجب في الصوت تقطعاً يصير به وقعه ضعيفاً فاتراً، واعتماده على مخرجه رخواً، بل هي صماء على نمط واحد لا تفجأ أحداً إلا مات إلا من ثبته الله تعالى، ويجوز أن يكون من فواق المختصر، أي أنه ليس فيها مقدمة للموت غير قرع الصوت، وهذا موافق لقولهم : ما لها من نظرة وراحة - والله أعلم.