ولما كان السياق للتدريب على الصبر والتثبيت الشافي والتدبر التام والابتلاء لأهل القرب، وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب أن لا يقع له لبس في حكم ولا عجلة في أمر، وكان التقدير : هل أتتك هذه الأنباء، عطف عليه - مبيناً عواقب العجلة معلماً أن على من أعطى المعارف أن لا يزال ناظراً إلى من أعطاه ذلك سائلاً له التفهيم، استعجازاً لنفسه متصوراً لمقام العبودية التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله :" نعم العبد " قوله في سياق ظاهره الاستفهام وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة خبره العظيم جداً، وأفرده وإن كان المراد الجمع دلالة على أنهم على كلمة واحدة في إظهار الخصومة لا يظهر لأحد منهم أنه متوسط مثلاً ونحو ذلك.
ولما كان الخصم مصدراً يقع على الواحد فما فوقه ذكراً كان أو أنثى، وكان يصح
٣٧٢
تسمية ربقة المتخاصمين خصماً لأنهم في صورة الخصم قال :﴿إذا﴾ أي خبر تخاصمهم حين ﴿تسوروا﴾ أي صعدوا السور ونزلوا من هم ومن معهم، آخذاً من السور وهو الوثوب ﴿المحراب*﴾ أي أشرف ما في موضع العبادة الذي كان داود عليه السلام به، وهو كناية عن أنهم جاؤوه في يوم العبادة ومن غير الباب، فخالفوا عادة الناس في الأمرين، وكأن المحراب الذي تسوروه كان فيه باب من داخل باب آخر، فنبه على ذلك بأن أبدل من " إذ " الأول قوله :﴿إذ﴾ أي حين ﴿دخلوا﴾ وصرح باسمه رفعا للبس وإشعاراً بما له من قرب المنزلة وعظيم الود فقال :﴿على داود﴾ ابتلاء منا له مع ما له من ضخامة الملك وعظم القرب منا، وبين أن ذلك كان على وجه يهول أمره إما لكونه في موضع لا يقدر عليه أحد أو غير ذلك بقوله :﴿ففزع﴾ أي ذعر وفرق وخاف ﴿منهم﴾ أي مع ما هو فيه من ضخامة الملك وشجاعة القلب وعلم الحكمة وعز السلطان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧١