ولما أمر سبحانه ونهى، وذكر أن السبب في النهي كراهة الضلال وعلم منه أن سبب الضلال الهوى، ذكر سبب هذا السبب فقال معبراً بالنسيان إشارة إلى أنه من شدة ظهوره كما كان محفوظاً فنسي، وفك الصدور لأنه أصرح لأنه لو عبر بالمصدر لأمكن إضافته إلى المفعول، واختيرت ﴿ما﴾ دون ﴿إن﴾ لأن صورتها صورة الموصول الاسمي، وهو أبلغ مما هو حرف صورة ومعنى :﴿بما نسبوا يوم الحساب﴾ أي عاملوه معاملة المنسي بعضهم بالإنكار وبعضهم بخبث الأعمال، فإنهم لو ذكروه حقيقة لما تابعوا الهوى المقتضي للضلال على أنه مما لا يجهله من له أدنى مسكة من عقل فإنه لا يخطر في عقل عاقل أصلاً أن أقل الناس وأجهلهم يرسل أحداً إلى مزرعة له يعملها، ثم لا يحاسبه عليها فكيف إذا كان حكيماً فكيف إذا كان ملكاً فكيف وهو ملك الملوك، وقال الغزالي في آخر كتاب العلم من الإحياء في الكلام على العقل : ثم لما كان الإيمان مركوزاً في النفوس بالفطرة انقسم الناس إلى من أعرض فنسي، وهم الكفار، وإلى من جال فكره فتذكر، وكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكرها، ولذلك قال تعالى ﴿لعلهم يتذكرون﴾ ﴿وليتذكر أولوا الألباب﴾ ﴿واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به﴾ [المائدة : ٧] ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ [القمر : ١٧] وتسمية هذا النمط تذكراً ليس ببعيد، وكأن التذكر ضربان : أحدهما أن يذكر صورة كانت حاضرة الوجود في قلبه، لكن غابت بعد الوجود، والآخر أن يكون عن صورة كانت متضمنة فيه الفطرة، وهذه حقائق ظاهرة لناظر بنور البصيرة صقيلة على من يستروح المعنى : اصبر على ما يقولون الآن، فلننصرك فيما يأتي من الزمان، ولنؤيدنك كما أيدنا داود العظيم الشأن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٣
ولما كان التقدير : فما قضيناه في الأزل بيوم الحساب وتوعدنا به سدى، عطف
٣٧٩


الصفحة التالية
Icon