ولما أداهم إليه صبرهم في الدنيا وأن لهم على ما وهبناهم من الأعمال الصالحة التي مجمعها الصبر لمرجعاً حسناً، ولكنه أظهر الوصف الذي أداهم إلى هذا المآب تعميماً لكل من اقتدى بهم حثاً على الاقتداء فقال :﴿للمتقين﴾ أي جميع العريقين في وصف التقوى الذين يلزمون لتقواهم الصراط المستقيم ﴿لحسن مآب*﴾ أي مصير ومرجع ولما شوق سبحانه إلى هذا الجزاء أبدل منه أو بينه بقوله :﴿جنات عدن﴾ أي إقامة في استمراء وطيب عيش ونمو وامتلاء وشرف أصل.
ولما كانت من الأعلام الغالبة، نصب عنها على الحال قوله :﴿مفتحة﴾ أي تفتيحاً كثيراً وبليغاً من غير أن يعانوا في فتحها شيئاً من نصب أو طلب أو تعب، وأشار جعل هذا الوصف مفرداً أن تفتحيها على كثرتها كان لهم في آن واحد حتى كأنها باب واحد ﴿لهم﴾ أي لا لغيرهم ﴿الأبواب﴾ التي لها فيها فلا يلحقهم في دخولها ذل الحجاب ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والإكرام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
٣٩٤
ولما ذكر إقامتهم ويسر دخولهم، وصف حالهم إذ ذاك فقال :﴿متكئين فيها﴾ أي ليس لهم شغل سوى النعيم ولا عليهم كلفة أصلاً.
ولما كان المتكئ لا يتم نعيمه إلا إن كان مخدوماً، دل على سؤودهم بقوله :﴿يدعون فيها﴾ أى كلما أرادوا من غير مانع أصلاً ولا حاجة إلى قيام ولا قعود يترك به الاتكاء.
ولما كان أكلهم إنما هو للتفكه لا لحفظ الجسد من آفة قال :﴿بفاكهة كثيرة﴾ فسمى جميع مآكلهم فاكهة، ولما كانت الفاكهة لا يمل منها، والشراب لا يؤخذ إلا بقدر الكفاية، وصفها دونه فقال :﴿وشراب*﴾.
ولما كان الأكل والشرب داعيين إلى النساء لا سيما مع الراحة قال :﴿وعندهم﴾ أي لهم من غير مفارقة أصلاً.


الصفحة التالية
Icon