فـ ﴿أم﴾ معادلة لجملة السخرية، وقد علم بهاذ التقدير أن معنى الآية إلى إنفصال حقيقي معناه : أهم معنا أم لا ؟ فهي من الاحتباك : أثبت الاتخاذ المذكور الذي يلزمه بحكم العناد بين الجملتين عدم كون المستسخر بهم معهم في النار اولاً دليلاً على ضده ثانياً، وهو كونهم معهم فيها، وأثبت زيغ الأبصار ثانياً اللازم منه بمثل ذلك كونهم معهم في النار دليلاً على ضده أولاً وهو كونهم ليسوا معهم، وسر ذلك أن الموضع لتسحرهم ولومهم لأنفسهم، في غلطهم والذي ذكر عنهم أقعد في ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٧
ولما كان هذا أمراً رائعاً جداً زاجراً لمن له عقل فتأمله مجرداً لنفسه من الهوى، وكانت الجدود تمنعهم عن التصديق به، كان موضعاً لتأكيد الخبر عنه فقال :﴿إن ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي تقدم الإخبار به ﴿لحق﴾ أي ثابت لا بد من وقوعه إذا وقع
٣٩٩
مضمونة وافق الواقع منه هذا الإخبار عنه، ولما كان أشق ما فيه وأنكأ تخاصمهم جعله هو المخبر به وحده، فقال مبيناً له مخبراً عن مبتدإ استنافاً تقديره : هو ﴿تخاصم أهل النار*﴾ لأنه ما أناره لهم إلا الشر والنكد فسمي تخاصماً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٧
ولما كانت قد جرت عادتهم عند التخويف أن يقولوا : عجل لنا هذا إن كنت صادقاً فينا ادعيت، ومن المقطوع به أنه لا يقدر على ذلك إلا الإله فصاروا كأنهم نسبوه إلى أنه ادعى الإلهية، قال تعالى منبهاً على ذلك آمراً له بالجواب :﴿قل﴾ أي لمن يقول لك ذلك :﴿إنما أنا منذر﴾ أي مخوف لمن عصى، ولم أدّع أني إله، ليطلب مني ذلك فإنه لا يقدر على مثله إلا الإله، فهو قصر قلب الموصوف على الصفة، وأفرد قاصراً للصفة في قوله :﴿وما﴾ وأعرق في النفي بقوله :﴿من إله﴾ أى معبود بحق لكونه محيطاً بصفات الكمال.


الصفحة التالية
Icon