ولما كان ذلك، تشوف السامع إلى ما كان منه فأخبر سبحانه به في سياق معلم أنه منعه التوفيق فلم يسأل التخفيف ولا عطف نحو التوبة، بل أدركه الخذلان بالتمادي في الطغيان، فطلب ما يزداد به لعنة من الإضلال والإعراق في الضلال ضد ما أنعم به على آدم عليه السلام، فقال ذاكراً صفة الإحسان والتسبيب لسؤال الإنظار لما جرأه عليهما من ظاهر العبارة في أن اللعنة مغباة بيوم الدين :﴿قال رب﴾ أي أيها المحسن إليّ بإيجادي وجعلني في عداد الملائكة الكرام ﴿فأنظرني﴾ أي بسبب ما عذبتني به من الطرد ﴿إلى يوم يبعثون*﴾ أي آدم وذريته الذين تبعثهم ببعث جميع الخلائق :﴿قال﴾ مؤكداً لأن مثل ذلك في خرقه للعادة لا يكاد يتصور :﴿فإنك﴾ أي بسبب هذا السؤال ﴿من المنظرين*﴾ وهذا يدل أن مثل هذا الإنظار لغيره أيضاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٠٤
ولما دبج في عبارته بما يقتضي السؤال في أن لا يموت، فإن يوم البعث ظرف لفيض الحياة لا لغيضها ولبسطها لا لقبضها، منعه ذلك بقوله :﴿إلى يوم الوقت﴾ ولما
٤٠٦
كان تدبيجه في السؤال قد أفهم تجاهله بما هو أعلم الخلق به من تحتم الموت لكل من لم يكن في دار الخلد الذي أبلغ الله تعالى في الإعلام به، قال :﴿المعلوم*﴾ وهو الصعقة الأولى وما يتبعها.
ولما كانت هذه الإجابة سبباً لأن يخضع وينيب شكراً عليها، وأن يطغى ويتمرد ويخيب لأنها تسليط، وتهيئة للشر، فاستشرف السامع إلى معرفة ما يكون من هذين المسببين، عرف أنه منعه الخذلان من اختيار الإحسان بقوله :﴿قال فبعزتك﴾ أي التي أبت أن يكون لغيرك فعل لا بغير ذلك، ويجوز أن تكون الباء للقسم ﴿لأغوينهم﴾ أي ذرية آدم عليه السلام ﴿أجمعين*﴾ قال القشيري : ولو عرف عزته لما أقسم بها على مخالفته.