وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما بنيت سورة ص على ذكر المشركين وعنادهم وسوء ارتكابهم واتخاذهم الأنداد والشركاء، ناسب ذلك ما افتتحت به سورة الزمر من الأمر بالإخلاص الذي هو نقيض حال من تقدم، وذكر ما عنه يكون وهو الكتاب، فقال تعالى ﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم﴾ ﴿إنا أنزلناه إليك الكتاب بالحق فاعبد من دونه أولياء﴾ - الآية في معرض أن لو قيل : عليك بالإخلاص ودع من أشرك ولم يخلص، فسترى حاله، وهل ينفعهم اعتذارهم بقولهم ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ وهؤلاء هم الذين بنيت سورة ص على ذكرهم، ثم وبخهم الله تعالى وقرعهم فقال ﴿لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى﴾ - الآية، فنزه نفسه من عظيم مرتكبهم بقوله سبحانه ﴿هو الله الواحد القهار﴾ ثم ذكر بما فيه أعظم شاهد من خلق السماوات والأرض وتكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل وذكر آيتي النهار والليل ثم خلق الكل من البشر من نفس واحدة، وهي نفس آدم عليه السلام، ولما حرك تعالى إلى الاعتبار بعظيم هذه الآيات وكانت أوضح شيء وأدل شاهد، عقب ذلك بما يشير إلى معنى التعجب من توقفهم بعد وضوح الدلائل، ثم بين تعالى أنه غني من الكل بقوله ﴿إن تكفروا فإن الله غني عنكم﴾ ثم قال ﴿ولا يرضة لعباده الكفر﴾ فبين أن من اصطفاه وقربه واجتباه من العباد لا يرضى له بالكفر، وحصل من ذلك مفهوم الكلام أن الواقع من الكفر إنما وقع بإرادته ورضاه لمن ابتلاه به ثم أنس من آمن ولم يتبع سبيل الشيطان وقبيلته من المشار إليهم في السورة قبل فقال تعالى ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم﴾ [الأسراء : ٧] ﴿ولا تكسب كل نفس إلا عليها﴾ ثم تناسجت الآي والتحمت الجمل إلى خاتمة السورة - انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٢


الصفحة التالية
Icon