ولما كان في سياق الحكم والقهر، وكانت عادة القهارين أن يكلفوا بعض الناس ببعض ويأخذوهم بجوائرهم لينتظم لهم العلو على الكل لعدم إحاطة علمهم بكل مخالف لأمرهم، بين أنه سبحانه على غير ذلك فقال :﴿ولا تزر وازرة﴾ أي وازرة كانت ﴿وزر أخرى﴾ بل وزر كل نفس عليها لا يتعداها يحفظ عليها مدة كونها في دار العمل، والإثم الذي يكتب على الإنسان بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وزر غيره، وإنما هو وزر نفسه، فوزر الفاعل على الفعل، ووزر الساكت على الترك لما لزمه من الأمر والنهي ﴿ثم إلى ربكم﴾ أي وحده لا إلى أحد ممن أشركتموه به ﴿مرجعكم﴾ أي بالبعث بعد الموت إلى دار الجزاء.
ولما كان الجزاء تابعاً للعلم، قال معبراً عنه به :﴿فينبئكم﴾ أي فيتسبب عن البعث أنه يخبركم إخباراً عظيماً ﴿بما كنتم تعملون﴾ أي بما كان في طبعكم العمل به سواء علمتموه بالفعل أم لا يجازيكم عليه إن شاؤ.
ولما كان المراد - كما أشار إليه بكان - الإخبار بجميع الأعمال الكائنة بالفعل أو القوة، حسن التعليل بقوله :﴿أنه عليم﴾ أي بالغ العلم ﴿بذات الصدور*﴾ أي بصاحبتها من الخواطر والعزوم، وذلك بما دلت عليه الصحبة - كل ما لم يبرز إلى الخارج، فهو بما برز أعلم.
٤٢٤


الصفحة التالية
Icon