ولما أرشدهم بالاسم الناظر إلى الإحسان إلى أن يقولوا : فما لنا إن فعلنا ؟ قال مجيباً معللاً :﴿للذين أحسنوا﴾ أي لكم، ولكنه أظهر الوصف الدال على سبب جزائهم تشويقاً إلى الازدياد منه، ولما كان العمل لا ينفع إلا في دار التكليف قال :﴿في هذه﴾ باسم الإشارة زيادة في التعين ﴿الدنيا﴾ أي الدنية الوضرة التي لا تطهر الحياة فيها إلا بالتقديس بعبادة الخالق والتخلق بأوصافه ﴿حسنة﴾ أي عظمية في الدنيا بالنصر والمعونة مع كثرة المخالف وفي الآخرة بالثواب، ويجوز أن يكون معنى ﴿أحسنوا﴾ أوقعوا الإحسان، ومعلوم أنه في هذه الدنيا، فيكون ما بعده مبتدأ وخبراً، لكنه يصير خاصاً بثواب الدنيا، فالأول حسن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٨
ولما كان ربما عرض للإنسان في أرض من يمنعه الإحسان، ويحمله على العصيان، حيث سبحانه على الهجرة إلى حيث يزول عنه ذلك المانع، تنبيهاً على أن مثل هذا ليس عذراً في التقصير كما قيل :
وإذا نبا بك منزل فتحول
فقال :﴿وأرض الله﴾ أي الذي له الملك كله والعظمة الشاملة ﴿واسعة﴾ ووجوده بعلمه وقدرته في كل أرض على حد سواء، فالمتقيد بمكان منها ضعيف العزم واهن اليقين، فلا عذر للمفرط في الإحسان بعدم الهجرة.
ولما كان الصبر على هجرة الوطن ولا سيما إن كان ثّم أهل وعشيرة شديداً جداً، ذكر ما للصابر على ذلك لمن تشوف إلى السؤال عنه فقال :﴿إنما يوفى﴾ أي التوفية العظمية ﴿الصابرون﴾ أي على ما تكرهه النفوس في مخالفة الهوى واتباع أوامر الملك الأعلى من الهجرة وغيرها ﴿أجرهم بغير حساب*﴾
٤٢٩


الصفحة التالية
Icon