ولما بين ما أمر به، وأعلم أنه يخاف ممن مخالفة الأمر له بذلك فأفهم أنه ممتثل لما أمر به، امؤه سبحانه بأن يصرح بذلك لأن التصريح من المزية ما لا يخفى فقال :﴿قل الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال وحده ﴿أعبد﴾ تخصيصاً له بذلك، لا أنحو أصلاً بالعبادة نحو غيره أبداً ﴿مخلصاً له﴾ وحده ﴿ديني*﴾ أي امتثالاً لما أمرت به فلا أشينه بشائبة أصلاً لا طلباً لجنّة ولا خوفاً من نار فإنه قد غفر لي ما تقدم وما تأخر، فصارت الرغبة فيما عنده سبحانه والخوف من سطواته التي جماعها قطع الإحسان الذي هو عند الأغبياء أدنى ما يخاف فإنما خوفي إعطاء المقام حقه من ذل العبودية وعز الربوبية.
ولما علم من هذا غاية الامتثال بغاية الرغبة والرهبة وهم يعلمون أنه ﷺ أقواهم قلباً وأصفاهم لباً، وأجرأهم نفساً وأصدقهم وأشجعهم عشيرة وحزباً، كان خوف غيره من باب الأولى، فسبب عنهد تهديدهم أعظم تهديداً بقوله :﴿فاعبدوا﴾ أي أنتم أيها أو غيره.
ونبّه على سفول رتبة كل شيء بالنسبة إليه سبحانه تسفيهاً لمن يلتفت إلى سواه بقوله :﴿من دونه﴾ فإن عبادة ما دونه تؤدي إلى قطع إحسانه، ولا إحسان إلا إحسانه، فإذا انقطع حل كل سوء، وفي ذلك جميع الخسارة.
٤٣١
ولما كانوا يدعون الذكاء، ويفعلون ما لا يفعله عاقل، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على غباوتهم بما يصيرون إليه من شقاوتهم فقال :﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ أي بدخولهم على الإنسان بعد نفسه أهله الذين عزه بهم قال :﴿وأهليهم﴾ أي لأنهم إن كانوا مثلهم فحالهم في الخسارة كحالهم، ولا يمكن أحداً منهم أن يواسي صاحبه بوجه فإنه لكل منهم شأن يغنيه، وإن كانوا ناجين فلا اجتماع بينهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣١
ولما كانت العاقبة هي المقصودة بالذات، قال :﴿يوم القيامة﴾ لأن ذلك اليوم هو الفيصل لا يمكن لما فات فيه تدارك أصلاً ولما كان في ذلك غاية الهول.


الصفحة التالية
Icon