ولما ذكر اجتناب الشرك، أتبعه التزام التوحيد فقال :﴿وأنابوا﴾ أي رجعوا رجوعاً عظيماً أزالوا فيه النوبة وجعلوها إقبالة واحدة لا صرف فيها ﴿إلى الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال فلا معدل عنه ﴿لهم البشرى﴾ في الدنيا على ألسنة الرسل وعند الموت تتلقاهم الملائكة فقد ربحوا ربحاً لا خسارة معه لأنهم انتفعوا بكلام الله فأخلصوا دينهم له فبشرهم - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف فقال مسبباً عن عملهم، صارفاً القول إلى التكلم بالإفراد تشريفاً للمبشرين الموصوفين :﴿فبشر عباد*﴾ أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ ﴿الذين يستمعون﴾ أي بجميع قلوبهم ﴿القول﴾ أي هذا الجنس من كل قائل ليسوا جفاة عساة إذا أقبلوا على شيء
٤٣٣
أعرضوا عن غيره بغير دليل ﴿فيتبعون﴾ أي بكل عزائمهم بعد انتقاده :﴿أحسنه﴾ بما دلتهم عليه عقولهم من غير إلى أدنى هوى، ويدخل في هذه الآية دخولاً بيناً حث أهل الكتاب على اتباع هذا القرآن العظيم، فإن كتب الله كلها حسنة، وهذا القرآن أحسنها كلاماً، ويعاني ونظاماً، لا يشك في هذا أحد له أدنى ذوق.
ولما بين عملهم، أنتج ذلك مدحهم فقال مظهراً زيادة المحبة لهم والاهتمام بشأنهم بالتأكيد :﴿أولئك﴾ أي العالو الهمة والرتبة خاصة ﴿الذين﴾ ولما كان في هؤلاء المجتبين العالو الرتبة جداً وغيره، أبرز المفعول فقال محولاً الأسلوب إلى الاسم الأعظم إشارة إلى عظيم هدايتهم، ﴿هداهم الله﴾ بما له من صفات الكمال فبين سبحانه أن لا وصول إليه إلا به، وهذا بخلاف آية الأنعام حيث ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال ﴿أولئك الذين هدى الله﴾ فحذف المفعول لتصير هدايتهم مكررة بوجوب تسليط العامل على الموصول الذي أعاد عليه الضمير في هذه الآية، وكرر الإشارة زيادة في تعظيمهم فقال :﴿وأولئك هم﴾ أي خاصة ﴿أولوا الألباب*﴾ أي العقول الصافية عن شوب كدر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣١


الصفحة التالية
Icon