ولما ذكر سبحانه إحسانه إليه ﷺ صريحاً، أشار بتعليله إلى إحسانه به أيضاً إلى كافة العرب، فقال مفرداً النذارة لأن المقام له بمقتضى ختم لقمان :﴿لتنذر قوماً﴾ أي ذوي قوة جلد ومنعة وصلاحية للقيام بما أمرهم به ﴿ما اتهم من نذير﴾ أي رسول في هذه الإزمان القريبة لقول ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد الفترة، ويؤيده إثبات الجار في قوله :﴿من قبلك﴾ أي بالفعل شاهدوه أو شاهده آباؤهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤
وإما بالمعنى والقوة فقد كان فيهم دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن لحي، وكلهم كان يعرف ذلك وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يعبد صنماً ولا استقسم بالأزلام، وذلك كما قال تعالى :﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾ [فاطر : ٢٤] أي شريعته ودينه، والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر - نبه على ذلك أبو حيان.
ويمكن أن يقال : ما أتاهم من ينذرهم على خصوص ما غيروا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأما إسماعيل ابنه عليه السلام فكان بشيراً لا نذيراً، لأنهم ما خالفوه، وأحسن من ذلك كله ما نقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أن ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد ﷺ، فإنه قد نقل عيسى عليه السلام لما أرسل رسله إلى الآفاق أرسل إلى العرب رسولاً.