وخص المصطفى ﷺ بالخطاب حثاً على تأمل هذا الدليل تنبيهاً على عظمته فقال مقدراً :﴿ألم تر﴾ أي مما يدلك على قدرته سبحانه على إعادة ما اضمحل وتمزق، وأرفت وتفرق :﴿أن الله﴾ أي الذي له صفة كمال ﴿أنزل من السماء﴾ أي التي لا يستمسك الماء فيها إلا بقدرة باهرة تقهره على ذلك ﴿ينابيع﴾ أي عيوناً فائرة ﴿في الأرض﴾ فقهره على الصعود بعد أن غيبه في أعماقها بالفيض والصوب بعد أن كان قسره على الانضباط في العلو ثم أكرهه على النزول على مقدار معلوم وكيفية مدبرة وأمر مقسوم، قال الشعبي والضحاك : كل ماء في الأرض من السماء ينزل إلى الصخرة ثم يقسم منها العيون والركايا.
ولما كان إخراج النبات متراخياً عن نزول المطر، عبر بثم، وفيها أيضاً تنبيه على تعظيم الأمر فيما تلاها بأنه محل الشاهد فقال :﴿ثم يخرج﴾ أي والله ﴿به﴾ أي الماء ﴿زرعاً﴾ ولما كان اختلاف المسبب مع اتحاد السبب أعجب في الصنعة وأدل على بديع القدرة، قال :﴿مختلفاً ألوانه﴾ أي في الأصناف والكيفيات والطبائع والطعوم وغير ذلك مع اتحاد الماء الذي جمعه من أعماق الأرض بعد أن تفتت فيها وصار تراباً.
ولما كان الإيقاف بعد قوة الإشراف دالاً على القهر ونفوذ الأمر، قال إشارة إلى أن الخروج عن الحد غير محمود في شيء من الأشياء فإنه يعود عليه النقص ﴿ثم يهيج﴾ وزاد في تعظيم هذا المعنى للحث على تدبره بإسناده إلى خير الخلق ﷺ فقال :﴿فتراه﴾ أي فيتسبب عن هيجه وهو شدة ثورانه في نموه بعد التمام بتوقيع الانصرام أنك تراه ﴿مصفراً﴾ آخذاً في الجفاف بعد تلك الزهرة والبهجة والنضرة.
ولما كان السياق لإظهار القدرة التامة، عبر بالجعل مسنداً إليه سبحانه بخلاف آية الحديد التي عبر فيها بالكون لأن السياق ثَم لأن الدنيا عدم فقال :﴿ثم يجعله حطاماً﴾ أي مكسراً مفتتاً بالياً.


الصفحة التالية
Icon