ويزداد حلاوة ولو أثنى آناء الليل وأطراف النهار، فقال :﴿تقشعر﴾ أي تهتز وتتجمع وتتقبض تقبضاً شديداً، من القشع وهو الأدسم اليابس، وزيد حرفاً لزيادة المعنى، واختير حرف التكرير إشارة إلى المبالغة فيه، وكونه حرف التطوير أشد للمناشبة ﴿منه جلود﴾ أي ظواهر أجسام ﴿الذين يخشون﴾ أي يخافون خوفاً شديداً ويلتذون لذة توجب إجلالاً وهيبة، فيكون ذلك سبب ذلك، وزاد في مدحهم بأنهم يخافون المحسن، فهم عند ذكر أوصاف الجلال أشد خوفاً، فلذلك لفت القول إلى وصف الإحسان فقال :﴿ربهم﴾ أي المربي لهم والمحسن إليهم لاهتزاز قلوبهم، روى الطبراني عن العباس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت خطاياه" وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر برجل من أهل العراق ساقط، قال : فما بال هذا ؟ قال : إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر رضي الله عنهما : إنا لنخشى الله وما نسقط وإن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله ﷺ، ﴿ثم تلين﴾ أي تمتد وتنعم، وقدم ما صرح فيه بالاقشعرار الذي يلزمه البيس، وأخر القلوب إبعاداً لها عما قد يفهم يبساً فيوهم قسوة فقال :﴿جلودهم﴾ لتراجعهم بعد برهة إلى الرجاء ةإن اشتدت صلابتها ﴿وقلوبهم﴾ وذكره الخشية لا تكون إلا في القلب، وكان سر حذف التصريح بذلك تنزيهاً عن ذكر ما قد يفهم القسوة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٥


الصفحة التالية
Icon