دينه ويعلي أمره ويغنيه عن أن يحتاج إلى غيره أو يجنح إلى سواه، باعتقاد أن في يده شيئاً يستقل به، وهاذ لا ينافي السعي في الأسباب مع اعتقاد أنها بيد الله، فأن شاء ربط بها المسببات، وإن شاء أعقمها، بل السعي أكمل، لأن ترتيب الأسباب بوضع الحكيم، فالسعي في طرحها ينافي وضع الحكمة، وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر : عباده - بالجمع بمعنى الرسول وأتباعه.
ولما كان الجواب قطعاً : بلى، إنه ليكفي من يشاء، والأصنام الممثلون بالشركاء المتشاكسين لا يكفون من تولاهم، بني على ذلك حالاً عجيباً من أحوالهم، فقال معجباً منهم ومتهكماً بهم :﴿ويخوفونك﴾ أي عباد الأصنام يعلمون أن الله يكفي من أراد وأن الأصنام لا كفاية عندها بوجه والحال أنهم يخوفونك.
ولما كان الخوف ممن له اختيار، فإن كان عاقلاً كان أقوى لمخالفته، وكان من المعلوم بديهة أنه لا اختيار لهم فضلاً عن العقل، قال تهكماً بهم بالتعبير بما يعبر به عن الذكور العقلاء لكونهم ينزلونهم بالعبادة وغيرها منزلة العقلاء مع اعترافهم بأنهم لا عقل لهم، فصاروا بذلك ضحكة وشهرة بين الناس :﴿بالذين﴾ وبين حقارتهم بقوله :﴿من دونه﴾ وهم معبوداتهم ضلالاً عن المحجة فيقولون : إنا نخشى عليك أن يخبلك آلهتنا كما قالت عاد لهود عليه السلام ﴿أن تقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ [هود : ٥٤] وسيأتي التعبير عنهم بالتانيث زيادة في توبيخهم.