ولفت الكلام إلى الاسم الأعظم تعظيماً للمقام ودفعاً للبس والتعنت بغاية الإفهام :﴿إن الله﴾ أي الذي له الجلال والجمال ﴿يبسط﴾ أي هو وحده ﴿الرزق﴾ غاية البسط ﴿لمن يشاء﴾ وإن كان لا حيلة له ولا قوة ﴿يقدر﴾ أي يضيق مع النكد بأمر قاهر على من هو أوسع الناس باعاً في الحيل وأمكنهم في الدول، ومن المعلوم أنه لولا أن ذلك كله منه وحده لما كان أحد ممن له قوة في الجسم وتمكن في العلم فقيراً أصلاً.
٤٦٠
ولما كان هذا أمراً لا ينكره أحد، عده مسلماً وقال :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر العظيم، وأكده لأن أفعالهم أفعال من ينكر أن يكون فيه عبرة ﴿لآيات لقوم﴾ ذوي قوة وهمم عليه ﴿يؤمنون*﴾ أي هيئوا لأن يوجد منهم الإيمان فيجددوا التصديق في كل وقت تجديداً مستمراً بأن الأمور كلها من الله فيخافوه ويرجوه ويشكروه ولا يكفروه، وأما غيرهم فقد حقت عليه الكلمة بما هيئ له من عمل النار، فلا يمكنه الإيمان فليس له في ذلك آيات لأنها لا تنفعه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٠
ولما حذر سبحانه في هذه السورة ولا سيما في هذه الآيات فطال التحذير، وأودعها من التهديد وصادع الإنذار والوعيد العظيم الكثير، وختم بالحث على الإيمان، والنظر السديد في العرفان، وكانت كثرة الوعيد ربما أيأست ونفرت وأوحشت، وصدت عن العطف وأبعدت، قال تعالى مستعطفاً مترفقاً بالشاردين عن بابه متلطفاً جامعاً بين العاطفين، كلام ذوي النعمة على لسان نبي الرحمة صارفاً القول إلى خطابه بعد أسلوب الغيبة :﴿قل﴾ أي يا أكرم الخلق وأرحمهم بالعباد، ولفت عما تقتضيه " قل " من الغيبة إلى معنى الخطاب زيادة في الاستعطاف، وزاد في الترفق بذكر العبودية والإضافة إلى ضميره عرياً عن التعظيم فقال :﴿يا﴾ أي ربكم المحسن إليكم يقول : يا ﴿عبادي﴾ فلذذهم بعد تلك المرارات بحلاوة الإضافة إلى جنابه تقريباً من بابه.


الصفحة التالية
Icon