وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما افتتح سبحانه سورة الزمر بالإخلاص وذكر سببه والحامل بإذن الله عليه وهو الكتاب، وأعقب ذلك بالتعويض بذكر من بنيت على وصفهم سورة ص وتتابعت الآي في ذلك الغرض إلى توبيخهم بما ضربه سبحانه من المثل الموضح في قوله ﴿ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشكسون ورجلاً سلماً لرجل﴾ ووصف الشركاء بالمشاكسة إذ بذلك الغرض يتضح عدم استمرار مراد لأحدهم، وذكر قبح اعتذار لهم بقولهم ﴿ما نعبدهم إلا لقربونا إلى الله زلفى﴾ [الزمر : ٣] ثم أعقب تعالى بالإعلام بقهره وعزته حتى لا يتخبل مخذول شذوذ أمر عن يده وقهره، فقال الله تعالى ﴿أليس الله بكاف عبده - إلى قوله : أليس الله بعزيز ذي انتقام﴾ [الزمر : ٣٧] ثم أتبع ذلك بحال أندادهم من أنها لا تضر ولا تنفع فقال ﴿قل أفريتم ما تدعون من دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته﴾ [الزمر : ٣٨] ثم أتبع هذا بما يناسبه من شواهد عزته فقال ﴿قل لله الشفاعة جميعاً﴾ [الزمر : ٤٤] ﴿قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة﴾ ﴿أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لما يشاء ويقدر﴾ ﴿الله خالق كل شيء﴾ ﴿له مقاليد السماوات والأرض﴾ ثم عنفهم وقرَّعهم بجهلهم فقال تعالى ﴿أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ ثم قال تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه﴾ ثم اتبع تعالى - ذلك بذكر آثار العزة والقهر فذكر النفخ في الصور للصعق ثم نفخة القيام والجزاء ومصير الفريقين، فتبارك المتفرد بالعزة والقهر، فلما انطوت هذه الآي من آثار عزته وقهره على ما أشير إلى بعضه، أعقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى :﴿حك تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم﴾ فذكر من أسمائه سبحانه هذين الاسمين العظيمين تنبيهاً على انفراده بموجبهما وأنه العزيز الحق القاهر للخلق لعلمه تعالى بأوجه الحكمة التي خفيت عن الخلق ما أخر