ولما كان من المعلوم لكل ذي لب أن فاعل مغلوب، وأن فعله مسبب لغضب المرسل عليه، قال صارفاً القول إلى المتكلم دفعاً للألباس، وإشارة إلى شدة الغضب وجرده عن مظهر العظمة استصغاراً لهم :﴿فأخذتهم﴾ أي أهلكتهم وهم صاغرون غضباً عليهم وإهانة لهم.
ولما كان أخذه عظيماً، دل على عظمته بأنه أهل لأن يسأل عن حاله لزيادة عظمتها في قوة بطشها وسرعة إهلاكها وخرقها للعوائد فقال :﴿فكيف كان عقاب*﴾ ومن نظر ديارهم وتقرى آثارهم وقف على بعض ما أشرنا إليه ونبهنا عليه، وحذف ياء المتكلم إشارة إلى أن أدنى من عذابه بأدنى نسبة كاف في المراد وإن كان المعذب جميع العباد.
ولما كان التقدير : فحقت عليهم كامة الله لأخذهم على هذا الجدال إنهم أصحاب النار التي جادلوا فيها، عطف عليه قوله :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ما حقت عليهم كلمتنا بالأخذ، فلم يقدروا على التفصي من حقوقها ﴿حقت﴾ بالأخذ والنكال ﴿كلمت﴾
٤٨٦
وصرف الكلام إلى صفة الإحسان تلطفاً به ﷺ وبشارة له بالرفق بقومه فقال :﴿ربك﴾ أي المحسن إليك بجميع أنواع الإحسان فهو لا يدع أعداءك.
ولما كان السياق للمجادلة بالباطل وهي فتل الخصم من اعتقاده الحق، وذلك تغطية للدليل الحق وتلبيس، كان الحال أحق بالتعبير بالكفر الذي معناه التغطية فلذا قال تعالى :﴿على الذين كفروا﴾ أي أوقعوا الكفر وقتاً ما كلهم سواء هؤلاء العرب وغيرهم، لأن علة الإهلاك واحدة، وهي التكذيب الدال على أن من تلبس به مخلوق للنار، ثم أبدل من " الكلمة " فقال :﴿أنهم أصحاب النار*﴾ أي من كفر في حين من الأحيان فهو مستحق للنار في الأخرى كما أنه مستحق للأخذ في الدنيا لا يبالي الله به بالة، فمن تداركته الرحمة بالتوبة، ومن أوبقته اللعنة بالإصرار هلك.