ولما كان هذا الرعب على وجه غريب باطن، عبر بـ " لدةى " فقال :﴿لدى الحناجر﴾ أي حناجر المجموعين فيه إلا من شاء الله، وهي جمع حنجور وهي الحلقوم وزناً ومعنى، يعني أنها زوالت عن أمكانها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج وصارت مواضعها من الافئدة هواء، وكانت الأفئدة معترضة كالشجا لا هي ترجع إلى مقارها فيستريحوا ولا تخرج فيموتوا.
ولما كان الحديث - وإن كان في الظاهر عن القلوب - إنما هو عن أصحابها، جمع على طريقة جمع العقلاء، وزاده حسناً أن القلوب محل الكظم، وبها صلاح الجملة وفسادها، وقد أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال :﴿كاظمين﴾ أي ممتلئين خوفاً ورعباً
٤٩٦
وحزناً، ساكتين مكروبين، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم.
ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات، قال مستانفاً :﴿ما للظالمين*﴾ أي العريقين في الظلم منهم ﴿من حميم﴾ أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم مزيل لكروبهم، قال ابن برجان : والحميم : الماء الحار الناهي في الحرارة، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضباً، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظاً ﴿ولا شفيع يطاع*﴾ أي ليس شفيع أصلاً لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك، فيبرأ منهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٦


الصفحة التالية
Icon